ويدل على هذا القسم من الشفاعة قوله صلى الله عليه وسلم لأبي جرى جابر بن سليم:"أنا رسول الله الذي إن أصابك ضر فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفر أو فلاة فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك". وهذا القول في حديث طويل رواه أبو داود.
ومنه دعاؤه صلى الله عليه وسلم لبسر حين أخذ بلجام دابته وقال: ادع الله لنا، فقال:"اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم" رواه مسلم.
ومنه استسقاؤه صلى الله عليه وسلم لهم كما روى عن أنس بن مالك أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع الله، فدعا الله فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله تهدمت البيوت وانقطعت السبل وهلكت المواشي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم على ظهور الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر" فانجبات عن المدينة انجياب الثوب. رواه البخاري.
وعن ابن مسعود قال: إن قريشاً أبطأوا عن الإسلام، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم، وإن قومك هلكوا فادع الله تعالى، فقرأ:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} الآية رواه البخاري في أبواب الاستسقاء.
قال الحافظ في الفتح: ولم يقع في هذا السياق التصريح بأنه دعا لهم، وسيأتي هذا الحديث في تفسير سورة (ص) بلفظ "فكشف عنهم ثم عادوا" وفي سورة الدخان من وجه آخر بلفظ "فاستسقى لهم فسقوا" ونحوه في رواية أسباط المعلقة. اهـ.
وهذا الضرب من الشفاعة حاصل للأنبياء الآخرين أيضاً، يدل عليه الآيات التي نتلوها عليك.
قال الله تعالى في سورة يوسف:{قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ. قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} . وقال تعالى في سورة إبراهيم: