للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وإرشاد للميت، وهو قد ثبت مخالفاً للقياس فيكون مقصوراً على المورد فلا يقاس عليه غيره.

قوله: ومن النداء للميت ما جاء في الحديث المشهور حديث نادي النبي صلى الله عليه وسلم كفار قريش المقتولين يوم بدر بعد إلقائهم في القليب، رواه البخاري وأصحاب السنن.

أقول: الجواب عنه من وجوه:

(الأول) : أن الله تعالى أحياهم حتى أسمعهم قول النبي صلى الله عليه وسلم على طريق خرق العادة، والدليل عليه ما روى البخاري في المغازي عن ابن عمر قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال: "هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً" ثم قال "إنهم الآن يسمعون ما أقول" الحديث، فإن لفظة "الآن" دليل واضح عليه، والتخصيص بما أقول يمكن الاستئناس به على أن ذلك كان من قبيل خرق العادة، وقال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخاً وتصغيراً ونقمة وحسرة وندماً رواه البخاري في صحيحه، ورواه أحمد بلفظ: قال قتادة: أحياهم الله له حتى سمعوا قوله توبيخاً وتصغيراً، ورجاله رجال الصحيح، كذا في مجمع الزوائد.

قال السهيلي ما محصله: إن في نفس الخبر ما يدل على خرق العادة بذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لقول الصحابة له: أتخاطب أقواماً جيفوا؟ فأجابهم. كذا في الفتح، وإذا كان الذي وقع حينئذ من خوارق العادة للنبي صلى الله عليه وسلم حينئذ لم يصح التمسك به على جواز نداء الميت.

و (الثاني) : أن هذا النداء لم يكن لطلب ما لا يقدر عليه إلا الله، بل إنما كان توبيخاً وتصغيراً، فعلى تقدير عدم كونه من خوارق العادة إنما يثبت به جواز نداء من علم موته على الكفر قطعاً على قبره وقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتلى بدر من المشركين توبيخاً وتصغيراً، وهذا لا نزاع فيه، إنما النزاع في ندائهم الأموات من الأنبياء والصالحين تعظيماً وإكراماً لهم متضرعين خاشعين طالبين لما لا يقدر عليه إلا الله، وهذا لا يدل عليه الحديث أصلاً.

و (الثالث) : أن هذا النداء معدول عن القياس مخالف له، فيكون مقصوراً على المورد فلا يقاس عليه غيره، وقد صدر مثل هذا التقريع والتوبيخ من الأنبياء

<<  <   >  >>