للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بعد أصحابي؟ قال: "إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة، ولعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون. اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم". لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توفي بمكة١.

ومنها ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول:

كل امرئ مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله

وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته ويقول:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل؟

وهل أردن يوماً مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل؟

اللهم العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا وصححها لنا وانقل حماها إلى الجحفة". قال القاضي في الحديث الأول: إنما استقاله على الهجرة ولم يرد الارتداد عن الإسلام٢، قال ابن بطال: بدليل أنه لم يرد حل ما عقده إلا بموافقة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولو أراد الردة ووقع فيها لقتله إذ ذاك، وإنما لم يقله بيعته لأنها إن كانت بعد الفتح فهي على الإسلام فلم يقله إذ لا يحل الرجوع إلى الكفر، وإن كانت قبله فهي على الهجرة والمقام معه بالمدينة، ولا يحل للمهاجر أن يرجع إلى وطنه، كذا قال القسطلاني.

قال النووي: قال العلماء إنما لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم بيعته لأنه لا يجوز لمن أسلم أن


١ جملة الاستدراك هذه مدرجة في الحديث من رواية الزهري عن إبراهيم بن سعد، وليست من كلامه صلى الله عليه وسلم.
٢ يعني أن الأعرابي إنما طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيله بيعته على الهجرة ليخرج من المدينة فراراً من الحمى، ولم يطلب إقالته من الإسلام نفسه، أي لأنه لو أراد هذا لفر من المدينة ولم يقل يا رسول الله أقلني بيعتي.

<<  <   >  >>