للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المسلمين المخلصين، ولكن المشركين من الأمم الماضية وهذه الأمة لا يسلمون عينية مصداقهما، وإذا كان الأمر كذلك فأمكن منهم أن يقروا لله بتوحيد الربوبية ولا يقروا له بتوحيد الألوهية١ وقد وقع كذلك، دل عليه قوله تعالى في المؤمنون: {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} ففي هذه الآية أن المشركين كانوا معترفين بأن الله هو رب السموات السبع ورب العرش العظيم ومع ذلك كانوا يعبدون الأصنام والأوثان. وهاهنا بحثان:

(الأول) : أن الآية لا يثبت منها إلا ثبوت الربوبية لله تعالى، لا أن غيره تعالى ليس رباً، إذ ليس هناك أداة حصر.

و (الثاني) : أن الثابت منها إنما هو ربوبيته تعالى للسموات السبع والعرش العظيم فحسب لا ربوبيته لجميع المخلوقات، فيحتمل أن يكون رب غير السموات السبع والعرش العظيم عندهم غير الله تعالى.

والجواب عن الأول: أن عدم ذكر المشركين غير الله تعالى في جواب السؤال برهان واضح على انحصار الربوبية، فإن السكوت في معرض البيان بيان، سيما فيما يتم به عليهم الحجة، فلو كان غير الله عندهم رباً لذكروه في الجواب البتة. ٢

والجواب عن الثاني: أن المقصود أن رب جميع المخلوقات هو الله تعالى، وإنما خصوا السموات السبع والعرش العظيم بالذكر لأنها من أكبر الأجرام وأعظمها وأشدها خلقاً، يدل عليه أن معنى الرب هو المالك المتصرف، وكون الله تعالى وحده مالكاً متصرفاً لجميع المخلوقات ثابت بإقرار المشركين، قال الله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم


١ الصواب الواقع أنهم يقرون له تعالى وحده باسم الرب واسم الإله، ويشركون أولياءه معه في معناهما جهلاً منهم بمدلول اللغة لأنها ليست لغتهم بالسليقة، بخلاف عرب الجاهلية، فالرب هو المدبر لكل أمر والمتصرف فيه بكل شيء غير مقيد بالأسباب، وهؤلاء يشركون معه غيره في هذا التصرف الخاص بالربوبية ولكنهم يسمون أولياءهم متصرفين ومدبرين ولا يسمونهم أرباباً كما تقدم قريباً. وكتبه محمد رشيد رضا.
٢ أي حتماً، والبتة أظنها تستعمل في النفي فقط.

<<  <   >  >>