وقد روى الطبراني من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "دخل إبليس العراق فقضى فيها حاجته، ثم دخل الشام فطردوه، ثم دخل مصر فباض فيها وفرخ وبسط عليها عبقريه" ولا يقول مسلم بذم علماء العراق لما ورد فيها وأكابر أهل الحديث وفقهاء الأمة وأهل الجرح والتعديل أكثرهم أهل العراق، وإمام السنة أحمد بن حنبل وشيخ الطريقة الجنيد بن محمد وعلم الزهاد الحسن وابن سيرين وأبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري وأصحابه وإسحاق ابن إبراهيم بن راهويه ومحمد بن إسماعيل١ ومسلم بن الحجاج وأبو داود وأصحاب السنن وأصحاب الدواوين الإسلامية كلهم عراقي الدار مولداً أو سكنى، والليث بن سعد ومحمد بن إدريس وأشهب ومن قبل هؤلاء كلهم سكن العراق ومصر، وجملة من أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن التابعين بعدهم، ومن عاب الساكن بالسكنى والإقامة في مثل تلك البلاد فقد عاب جمهور الأمة وسبهم وآذاهم بغير ما اكتسبوا، وقد داول الله تعالى الأيام بين البقاع والبلاد، كما داولها بين الناس والعباد، قال تعالى:{وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} .
وكم من بلد قد فتحت وصارت من خير بلاد المسلمين بعد أن كانت في أيدي الفراعنة والمشركين والفلاسفة والصابئين والكفرة من المجوس وأهل الكتابين، بل الخربة التي كانت بها قبور المشركين صارت مسجداً هو أفضل مساجد المسلمين بعد المسجد الحرم، ودفن بها أفضل المرسلين وسادات المؤمنين.
ولا يعيب شيخنا بدار مسيلمة إلا من عاب أئمة الهدى ومصابيح الدجى بما سبق في بلادهم من الشرك والكفر المبين، وطرد هذا القول جرأة على النبيين وأكابر المؤمنين، وهذا المعترض كعنز السوء يبحث عن حتفه بظلفه ولا يدري، وقد قال بعض الأزهريين: مسيلمة الكذاب من خير نجدكم، فقلت: وفرعون اللعين رأس مصركم فبهت. وأين كفر فرعون من كفر مسيلمة لو كانوا يعلمون. اهـ.
وأيضاً قال وقد تقدم أن طرد هذا الكلام يوجب ذم كل من سكن بلدة من بلاد