للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كلام الحافظ في الفتح. وهذا يصدق على العراق، ومع أنه قد ورد ذم العراق في غير واحد من الأحاديث لا يقول مسلم بذم علماء العراق لأن أكابر أهل الحديث وفقهاء الأمة وأهل الجرح والتعديل أكثرهم من أهل العراق وجملة من أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن التابعين بعدهم قد سكنوا العراق، ألا ترى إلى ما أخرج البخاري عن إبراهيم قال: ذهب علقمة إلى الشام فأتى المسجد فصلى ركعتين فقال: اللهم ارزقني جليساً فقعد إلى أبي الدراداء فقال: ممن أنت؟ قال: من أهل الكوفة، قال: أليس فيكم صاحب السر الذي كان لا يعلمه غيره؟ يعني حذيفة. أليس فيكم -أو كان فيكم- الذي أجاره الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الشيطان؟ يعني عماراً، أو ليس فيكم صاحب السواك والوسادة؟ يعني ابن مسعود، كيف كان عبد الله يقرأ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} قال (والذكر والأنثى) فقال مازال هؤلاء حتى كادوا يشككوني، وقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.

وهذا ظاهر لمن تتبع أحوال الصحابة والتابعين، وقد ذكرت فيما تقدم رواية مسلم عن أبي سعيد وفيها: "وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق" فعلم أن أهل العراق هم الذين قتلوا الخوارج، فكيف يجوز ذم جميع أهل العراق؟ وأن سلم أن المراد بنجد نجد العرب، فالجواب أنه كما لا يجوز ذم جميع أهل العراق لورود أحاديث في ذمه، كذلك لا يجوز ذم جميع أهل نجد بعد تسليم ورود ذمه في حديث.

وقد ورد في الأحاديث الصحيحة١ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا قبل نجد وبعث سرية قبل نجد، وبعث خيلاً قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي خير يا محمد، إن تقتلني تقتل ذا دم٢، وإن تنعم، تنعم على شاكر، إن كنت تريد المال، فسل منه ما شئت، فترك حتى كان الغد، ثم قال له "ما عندك يا ثمامة"؟ فقال:


١ أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة ولم يتذكر المؤلف منها إلا البخاري.
٢ يعني بذي الدم المستحق للقتل. وكتبه وما قبله محمد رشيد رضا.

<<  <   >  >>