هذا عالم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون في "مقدمته"، فقال:
"إن العرب لا يحصل لهم الملك إلاَّ بصبغة دينية من نبوَةٍ أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة، والسبب في ذلك أنهم لخلق التوحش الذي فيهم أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض، للغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرئاسة، فقلما تجتمع أهواؤهم، فإذا كان الدين بالنبوة أو الولاية كان الوازع لهم من أنفسهم وذهب خلق الكبر والمنافسة منهم فسهل انقيادهم واجتماعهم وذلك بما يشملهم من الدين المذهب للغلظة والأنفة، الوازع عن التحاسد والتنافس فإذا كان فيهم النبي أو الولي الذي يبعثهم على القيام بأمر الله يذهب منهم مذمومات الأخلاق ويأخذهم بمحمودها ويؤلف كلمتهم لإِظهار الحق تم إجتماعهم وحصل لهم الملك والتغلب" ١.
وقال أيضا: "إن الدولة العامة الاستيلاء، العظيمة الملك أصلها الدين إما من نبوة أودعوة حق، وذلك لأن الملك إنما يحصل بالتغلب، والتغلب إنما يكون بالعصبية واتفاق القلوب وتأليفها إنما يكون بمعونة من الله في إقامة دينه قال تعالى:{لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} وسره أن القلوب إذا تداعت إلى أهواء الباطل والميل إلى الدنيا حصل التنافس وفشا الخلاف، وإذا انصرفت إلى الحق ورفضت الدنيا والباطل