"فاستأنف النهار يا ابن جبير قبل أن تنفرج ذات البين بينكم معشر العلماء ويضلل بعضكم بعضاً أو يفسقه أو يكفره فتكونوا بذلك فتنة لجاهل مغرور، أو ضحكة لذي دهاء وفجور تستباح بذلك أعراضكم، ولا ينتفع بعلمكم، فاعقدوا لكم محضرا، ولو طال منا ومن بعضكم لأجله سفر، للنظر فيما يصلح الإسلام، وتقوم به الحجة، ولو لم يعمل به عامل، تسدوا بذلك عنكم باب الفرقة، نصحاً لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، فأنا والله لا أخال الجرح يندمل، ولا الحية تموت، إلا أن يشاء ربي شيئا، وذلك لكثرة الطلاب لهذا الأمر، فقد وقع والله بكثرتهم البأس وأَعضل واحتاج العاقل للنظر فيما هو الأصلح لدينه، والأرْضى لربه، بالاجتماع على الأسَدِّ فالأسدّ، والأجدِّ فالأجدّ١، والأصلح فالأصلح، فإن الشيطان متكىء على شماله متحيل بيمينه فاتح حصنه لأهله، يدأب بين الأمة بالشحناء والعدواة عنادا لله ولرسوله ولدينه تأليباً وتأنيباً يوسوس بالفجور، ويدلي بالغرور، ويزين بالزور، ويمني أهل الفجور والشرور، يوحي إلى أوليائه بالباطل دأباً له منذ كان، وعادة له منذ أهانه الله في سالف الأزمان، لا ينجو منه إلا من أحب الآجل وغض الطرف عن العاجل، وقط هامة عدو الله وعدو الدين باتباع الحق والعمل
١ انظر: الدرر السنية، ففيها نص هذه الرسالة كاملا ج٧ ص ٢٦٥-٢٧٢. والأجد فالأجد يعني الأكثر جدا.