هل يصدر هذا إلاّ عن يقين صدقٍ راسخٍ في الجنان، وكمال توحيدٍ وإيمانٍ، وصبر ورضا وتسليم لما قدره الرّحمن، وقد وعد الله الصّابرين الثّواب:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ، [الزّمر، من الآية: ١٠] .
وقد قال بعض العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ مَن اتّبع القرآن والسّنة وهاجر إلى الله بقلبه واتّبع آثار الصّحابة لم يسبقه الصّحابة إلاّ بكونهم رأوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ. اهـ. وفي ذلك الزّمان فالكلّ له أعوان وأخوان ومساعدون ومعاضدون، ولهذا قال علي بن المدينِي ـ رحمه الله تعالى ـ كما ذكره عنه ابن الجوزي في كتاب صفوة الصّفوة: ما قام أحد بالإسلام بعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ما قام أحمد بن حنبل، قيل: يا أبا الحسن ولا أبو بكر الصّدّيق؟ قال: إنّ أبا بكرٍ الصّدّيق ـ رضي الله عنه ـ كان له أصحاب وأعوان وأحمد بن حنبل لم يكن له أعوان ولا أصحاب. اهـ.
وقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ:" بدا الإسلام غريباً وسيعود غربياً كما بدأ فطوبى الغرباء".قيل: يا رسول الله: ومَن الغرباء؟ قال:"النّزاع من القبائل".ورواه أبو بكر الآجري الحنبلي. وعنده قيل: مَن هم يا رسول الله؟ قال:"الذين يصلحون إذا فسد النّاس".ورواه غيره. وعنده قال:"الذين يفرّون بدِينهم من الفتن".
ورواه التّرمذي عن كثيرٍ عن عبد الله المزني عن أبيه عن جدّه عن النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بلفظٍ:"الذين يصلون ما أفسد النّاس من سنتِي ".ورواه الإمام أحمد أيضاً من حديث سعد بن أبي وقاص. ورواه الطّبراني من حديث عبد الله بن عمر عن النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال:"طوبى للغرباء".قيل: ومَن الغرباء؟ قال:"قوم صالحون قليل في قوم سوء كثير مَن يعصيهم أكثر مِمَّن يطيعهم".قال الأوزاعي في تفسيره: