باب العارية: وهي إباحة الانتفاع بعينٍ من أعيان المال وتنعقد بكلّ لفظٍ وفعلٍ يدلّ عليه، وهي هبة منفعة تجوز في كلّ المنافع إلاّ منافع البضع، وتجوز مطلقة ومؤقتة، وللمعير الرّجوع فيها متى شاء سواء كانت مطلقة أو مؤقتة، وبهذا قال أبو حنيفة والشّافعي. وقال مالك: إن كانت مؤقتة فليس له الرّجوع قبل الوقت، وإن لم يوقت مدّة لزمه تركه مدّة ينتفع بها في مثلها؛ لأنّ المعير قد ملكه المنفعة مدّة وصارت العين في يده بعقدٍ مباحٍ، فإن شغله بإذنه في شيء يستضرّ المستعير برجوعه لم يجز له الرّجوع. مثل: أن يعيره سفينة لحمل متاعه لم يجز له الرّجوع ما دامت في لجة البحر، وله الرّجوع قبل دخولها في البحر، وبعد خروجها منه لعدم الضّرر. وإن أعاره أرضاً للدّفن لم يرجع حتّى يبلى الميّت، وله الرّجوع فيها قبل الدّفن، وإن أعاره حائطاً ليضع عليه أطراف خشبه لم يرجع ما دام عليه، فإن سقط عنه بهدم أو غيره لم يملك ردّه، وإن أعاره أرضاً للزّرع لم يرجع إلى الحصاد، إلاّ أن يكون مما يحصد قصيلاً فيحصده. وإن أعارها للغرس أو البناء وشرط عليه القلع في وقت أو عند رجوعه ثم رجع لزمه القلع. لقول النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ:"المؤمنون على شروطهم". حديث صحيح. وليس على صاحب الأرض ضمان نقصه ولا نعلم في هذا خلافاً.
فأمّا تسوية الحفر فإن كان مشروطاً عليه لزمه لما ذكرنا، وإلاّ لم يلزمه، وإن لم يشرط المعير القلع لم يلزم المستعير لما فيه من الضّرر، فإن ضمن له النّقص لزمه، فإن قلع فعليه تسوية الأرض، وكذلك إن اختار أخذ بنائه وغراسه فإنّه يملكه، فإن أبى القلع في الحال التي لا يجبر عليها فبذل له المعير قيمة الغراس والبناء ليملكه أجبر المستعير قهراً عليه؛