رواية أخرى أنّ طلب العلم أفضل، وأنّه داخل في الجهاد، وأنّه نوع منه إلى آخر السّؤال.
فالجواب: أمّا هذه المسألة فأكثر أهل العلم على المنع من الأخذ مع الغنى عموماً، وأمّا مع التّخصيص فلم أجد لأهل المذهب تصريحاً في الأخذ مع الغنى غير عموم الأخذ من بيت المال وإن كثر، والأخذ من الزّكاة لِمَن له الأخذ منها بقدر الكفاية، وأمّا قياسه على الجهاد وأنّه نوع منه، وأنّ للغازي الأخذ من الزّكاة مع الغنى فالغازي مخصوص في الآية الكريمة، وهو الثّامن وليس فيه تصريح بجواز الأخذ مع الغنى لغير الغازي إلاّ بفهم عمومات كالقياس على الغازي والعامل والغارم مع الغنى. قال القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى:{وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} ، [التّوبة، من الآية: ٦٠] ، أنّ العامل عطّل نفسه لمصلحة الفقراء فكانت كفايته وكفاية أعوانه في مالهم؛ كالمرأة لما عطّلت نفسها لحقّ الزّوج كانت نفقتها ونفقة أتباعها من خادم أو خادمين على زوجها، ولا يقدر رزق العامل بالثّمن؛ بل تعتبر الكفاية؛ ثمناً كان أو أقلّ أو أكثر؛ كرزق القاضي.
وقال في موضعٍ آخر: دلّ قوله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} ، [التّوبة، من الآية: ٦٠] ، على أنّ كلّ ما كان من فروض الكفايات؛ كالسّاعي والكاتب والقسّام والعاشر وغيرهم فالقائم به يجوز له أخذ الأجرة عليه، ومن ذلك الإمامة فإنّ الصّلاة وإن كانت متوّجهة على جميع الخلق، فإنّ تقدّم بعضم بهم من فروض الكفايات، ولا جرم أنّه يجوز له الأخذ عليها، وهذا أصل الباب وإليه أشار النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بقوله:"ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة".قاله ابن العربي. ومن ذلك قوله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ:" لا تحلّ الصّدقة لغني إلاّ خمسة: العامل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غازي في سبيل