قائلها، ولم يفسروا ما يتعلق بالصفات منها، ولا تأوّلُوه، ولا شبهوه بصفات المخلوقين؛ إذ لو فعلوا شيئا من ذلك لَنُقِلَ عنهم، بل بلغ من مبالغتهم في السكوت عن هذا أنهم كانوا إذا رأوا مَنْ يسأل عن المتشابه بالغوا في كفه وتأديبه، تارة بالقول العنيف، وتارة بالضرب، وتارة بالإعراض الدّالّ على شدة الكراهة لمسألته.
ولمّا سُئِل مالك بن أنس –رحمه الله تعالى- عن الاستواء كيف هو فقيل له:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه: ٥] كيف استوى فأطرق مالك -رحمه الله تعالى- وعلاه الرحضاء، يعني: العرق، وانتظر القوم ما يجيء منه، فرفع رأسه إليه فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأحسبك رجل سوء. وأمر به فأُخْرِج.
ومَنْ أوَّلَ الاستواء بالاستيلاء، فقد أجاب بغير ما أجاب به مالك، وسلك غير سبيله، وهذا الجواب من مالك -رحمه الله تعالى- في الاستواء شافٍ كافٍ في جميع الصفات مثل: النُزول، والمجيء واليد، والوجه، وغيرها.
فيُقال في مثل النُزول: النُزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة؛ وهكذا يقال في سائر الصفات، إذ هي بمثابة الاستواء الوارد به الكتاب والسنة، وثبت عن الربيع بن سليمان قال: سألت الشافعي عن صفات الله -تعالى- فقال: حرام على العقول أن تمثل الله تعالى، وعلى الأوهام أن تحده، وعلى الظنون أن تقطع، وعلى النفوس أن تنكر، وعلى الضمائر أن تعمق، وعلى الخواطر أن تحيط، وعلى العقول أن تعقل، إلا ما وصف به نفسه، أو على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام. وثبت عن إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني أنه قال: إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة يعرفون ربهم