مقاما، فذكر فيه بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه "١ رواه البخاري.
محال مع هذا أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم وقلوبهم في ربهم ومعبودهم رب العالمين، الذي معرفته غاية المعارف، وعبادته أشرف المقاصد، والوصول إليه غاية المطالب؛ بل هذا خلاصة الدعوة النبوية، وزبدة الرسالة الإلهية؛ فكيف يتوهم من في قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة أن يظن أنه قد وقع من الرسول صلى الله عليه وسلم إخلال بهذا ثم إذا كان قد وقع ذلك منه، فمن المحال أن يكون خير أمته وأفضل قرونها قصروا في هذا الباب زائدين فيه، أو ناقصين عنه.
تفنيد من قال: مذهب الخلف أولى
ثم من المحال أن تكون القرون الفاضلة: القرن الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم، كانوا غير عالمين، وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين، لأن ضد ذلك إما لعدم العلم والقول، وإما اعتقاد نقيض الحق وقول خلاف الصدق؛ وكلاهما ممتنع.
(أما الأول) : فلأن من في قلبه أدنى حياة في طلب العلم، أو همة في العبادة، يكون البحث عن هذا الباب والسؤال عنه معرفة الحق فيه أكبر مقاصده وأعظم مطالبه، وليست النفوس الزكية إلى شيء أشوق منها إلى معرفة هذا الباب؛ وهذا أمر معلوم بالفطرة الوجدية، فكيف يتصور مع قيام هذا المقتضي الذي هو أقوى المقتضيات أن يتخلف عن مقتضاه في أولئك السادة في مجموع عصورهم.
هذا لا يكاد يقع في أبلد الخلق، وأشدهم إعراضا عن الله، وأعظمهم إكبابا على الدنيا، والغفلة عن ذكر الله؛ فكيف يقع في أولئك الفضلاء والسادة النجباء