وروي عن الحسن أنّه حلف ما مضى مؤمن قطّ ولا بقي إلاّ وهو من النّفاق خائف، ولا مضى منافق قطّ ولا بقي إلاّ وهو من النّفاق آمن وكلام السّلف في هذا كثير، ويكفي في بيان بطلان قول هذا إثباته الكفر والنّفاق في أفضل قرون الأمّة ونفي ذلك عن القرون الّتي وصفها ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بأنّها شرّ إلى يوم القيامة، ويفضح شبهة هذا وشبهة من قال إنّه يستحيل وجود الكفر في أرض العرب ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال" ليس من بلد إلاّ سيطوله الدّجّال إلاّ مكّة والمدينة، وما من نقب من أنقابها إلاّ وعليه الملائكة صافين تحرسهما فينْزل السّبخة فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج الله تعالى منها كلّ كافر ومنافق" فأخبر ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أنّ في المدينة إذ ذاك كفّاراً ومنافقين موجودين قبل خروج الدّجّال، فإذا كان هذا حال المدينة فغيرها أولى وأحرى والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقوله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ:"من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة "فأرجو أنّه ما يجب على كلّ إنسان المبايعة وأنّه إذا دخل تحت الطاعة وانقاد ورأى أنّه لا يجوز الخروج على الإمام ولا معصيته في غير معصية الله أنّ ذلك كاف، وإنّما وصف ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ميتته بالميتة الجاهليّة؛ لأنّ أهل الجاهليّة كانوا يأنفون من الانقياد لواحد منهم ولا يرضون بالدّخول في طاعة واحد فشبه حال من لم يدخل في جماعة المسلمين بحال أهل الجاهليّة في هذا المعنى والله أعلم.
وقول الشّيخ ردّ المسألة المشكلة إلى آخره الظّاهر أنّه أراد أنّ الّذي سأل النّبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ من حكم نذره أنّه أشكل هل يوفي به أم لا؟ فلّما أخبر ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أن ذلك المعيّن خال ممّا ذكر زال الإشكال.