تعالى:{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}[الأنعام من الآية: ٦٨] .واعلم أن كثيرا من المصنفين ينسبون إلى أئمة المسلمين ما لم يقولوه، فينسبون إلى الشافعي، ومالك، وأحمد، وأبي حنيفة من الاعتقادات الباطلة ما لم يقولوه؛ ويقولون لمن تبعهم: هذا الذي نقوله اعتقاد الإمام الفلاني، فإذا طولبوا بالنقل الصحيح عن الأئمة تبين كذبهم في ذلك، كما يتبين كذب كثير من الناس فيما ينقلونه عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويضيفونه إلى سنته من البدع والأقوال الباطلة.
(ومنهم) : من إذا طولب بتحقيق نقله يقول: هذا القول قاله العقلاء، والإمام الفلاني لا يخالف العقلاء؛ ويكون أولئك العقلاء طائفة من أهل الكلام الذين ذمهم الأئمة. فقد قال الشافعي رضي الله عنه: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد، والنعال، ويطاف بهم في القبائل، والعشائر، ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام.
فإذا كان هذا حكمه فيمن أعرض عنهما، فكيف حكمه فيمن عارضهما بغيرهما؟ وقال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة: من طلب الدين بالكلام تزندق. وقال أحمد بن حنبل: ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح، وقال: علماء الكلام زنادقة، وكثير من هؤلاء قرؤوا كتبا من كتب الكلام فيها شبهات أضلتهم، ولم يهتدوا لجوابها؛ فإنهم يجدون في تلك الكتب أن الله تعالى لو كان فوق الخلق لزم التجسيم والتحيز والجهة، وهم لا يعلمون حقائق هذه الألفاظ، وما أراد بها أصحابها؛ ومن اشتبه عليه ذلك، أو غيره فليدع بما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يصلي يقول: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا