البلد، فيقال له أوّلاً: هذا إمّا مكابرة وإمّا عدم علم بالواقع فمن المتقرر أنّ أهل الآفاق تبع لأهل تلك البلاد في دعاء الكعبة والمقام والحطيم كما يسمعه كلّ سامع ويعرفه كلّ موحد.
ويقال ثانياً: إذا تقرر وصار هذا معلوما فذاك كافٍ في المسألة ومن الّذي فرق في ذلك ويا لله العجب إذا كنتم تخفون توحيدكم في بلادهم ولا تقدرون أن تصرحوا بدينكم وتخافتون بصلاتكم لأنّكم علمتم عداوتهم لهذا الدّين وبغضهم لمن دان به فكيف بقع لعاقل إشكال! أرأيتم لو قال رجل منكم لمن يدعو الكعبة أو المقام أو الحطيم ويدعو الرّسول والصّحابة يا هذا لا تدعو غير الله أو أنت مشرك هل تراهم يسامحونه أم يكيدونه؟ فليعلم المجادل أنّه ليس على توحيد الله فوالله ما عرف التّوحيد ولا تحقق بدين الرّسول ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أرأيت رجلاً عندهم قائلا لهؤلاء راجعوا دينكم أو اهدموا البناآت الّتي على القبور ولا يحلّ لكم دعاء غير الله هل ترى يكفيهم فيه فعل قريش بمحمّد ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ؟ لا والله لا والله.
وإذا كانت الدّار دار إسلام لأيّ سيء لم تدعوهم إلى الإسلام وتأمروهم بهدم القباب واجتناب الشّرك وتوابعه، فإن يكن قد غركم أنّهم يصلّون أو يحجّون أو يصومون ويتصدّقون، فتأمّلوا الأمر من أوله وهو أنّ التّوحيد قد تقرر في مكّة بدعوة إسماعيل بن إبراهيم الخليل ـ عليهما السّلام ـ ومكث أهل مكّة عليه مدّة من الزّمان، ثمّ إنّه فشا فيهم الشّرك بسبب عمرو بن لحي وصاروا مشركين وصارت البلاد بلاد شرك مع أنّه قد بقي معهم أشياء من الدّين، وكما كانوا يحجّون ويتصدّقون على الحاج وغير الحاج.