وآخرون يحجون إلى القبور، وطائفة صنّفوا كتبا وسموها مناسك حج المشاهد، وآخرون يسافرون إلى قبور المشايخ وإن لم يسموا ذلك منسكا وحجا، فالمعنى واحد. وبعض الشيوخ المشهورين بالزهد والتصوف صنّف كتاب الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة والمنام، وذكر من مناقب هذا الشيخ أنه حج مرة وكان قبر النبي صلى الله عليه وسلم منتهى قصده، ثم رجع ولم يذهب إلى الكعبة وجعل هذا من مناقبه، وبسبب الخروج عن الشريعة صار بعض الشيوخ ممن يقصده من العلماء والقضاة اشتهر عنه أنه كان يقول: البيوت المحجوجة ثلاثة: مكة، وبيت المقدس، والبُدّة الذي في الهند الذي للمشركين لأنه يعتقد أن دين اليهود والنصارى حق.
وجاءه بعض إخواننا العارفين قبل أن يعرف حقيقته فقال: أريد أن أسلك على يديك، فقال: على دين اليهود أو النصارى أو المسلمين؟ فقال له: واليهود والنصارى ليسوا كفاراً؟ قال: لا تشدد عليهم ولكن الإسلام أفضل. ومن الناس من يجعل مقبرة الشيخ كعرفات، يسافرون إليها وقت الموسم، فيعرفون بها كما يفعل بالمغرب والمشرق.
وهؤلاء وأمثالهم صلاتهم ونسكهم لغير الله، فليسوا على ملة إبراهيم، والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلّم بعد موته موجودة في كلام بعض الناس مثل يحيى الصرصري، ومحمد بن النعمان، وهؤلاء لهم ظاهر صلاح، ولكن ليسوا من أهل العلم، بل جروا على عادة كعادة من يستغيث بشيخه في الشدائد ويدعوه. وكان بعض الشيوخ الذين أعرفهم ولهم ظاهر فضل وعلم وزهد إذا نزل به أمر خطا إلى جهة الشيخ عبد القادر خطوات واستغاث به، وهذا يفعله كثير من الناس.
وهؤلاء مستندهم مع العادة، قول طائفة: قبر معروف أو غيره ترياق مجرب، ومعهم الأدلة الباطلة: إن طائفة استغاثوا بحي أو ميت فرأوه قد أتى في الهواء وقضى بعض تلك الحوائج، وهذا كثير واقع في المشركين الذين يدعون الملائكة والأنبياء أو الكواكب أو الأوثان؛ فإن الشياطين تتمثل لهم، ولو ذكرت ما أعلم من الوقائع الموجودة في زماننا من هذا لطال هذا المقام".
ثم قال ـ حاكياً عن ابن البكريّ الذي صنف في جواز الاستغاثة