لا ريب أنَّ الخبرة الواسعة في الصناعة المعجمية التي عَجَمت عود مؤلف في القرن السابع؛ كابن الأثير، منَحتْه خبرة واسعة في معالم كل طريقة ومحاسنها، وجعلته يُرَجِّح الطريقة الأخيرة، فهي يسيرة تتجاوز الصعوبات التي قد تكتنف الطرق الأخرى، فنَثْرُ المادة من غير ترتيب لا يُقرُّه أحدٌ لعسر استخراج المادة المنشودة، وقد لا يُدْرِك المُراجِعُ اسمَ الصحابي الراوي للحديث الغريب، كما أنَّه قد يجتهد طويلاً في قراءة مسند معيّن للوقوف على حديث منشود، كما أنَّ طريقة التقاليب والمخارج بما تحمله من صعوبةِ استخراج الغريب منها تجعله يتجنبها.
لقد حَدَّد ابن الأثير وجهته التي هو مُوَلِّيها، فهي ترتيب المادة وَفْقَ الحروف الهجائية. وقد كان تحت هذا الترتيب ثلاثة اتجاهات معجمية: فثمة من يُرَجِّح اختيار الحرف الأخير من الكلمة بعد تجريدها من الحروف الزائدة، ورَدِّ الحرف الأصليِّ المحذوف، ثم العودة إلى الحرف الأول من الكلمة. وثمة من يرجِّح اختيار الحرف الأول ابتداءً، ثم الحرف الثاني فالثالث؛ لأنَّه يحقق سهولة وسيرورة مباشرة في تصوُّر اللفظ المنشود؛ وذلك لأنه تَصَوُّرٌ سهل قريب، يبتعد عن سلوك تركيب عنصرين من عناصر التفكير، أولهما التوجُّه نحو الحرف الأخير، وثانيهما العودة إلى لفظ الحرف الأول، وهذا الترجيح في اختيار الحرف الأول هو الذي مضى عليه ابن الأثير.
أمَّا الاتجاه المعجمي الثالث الذي عزف عنه صاحب "النهاية" فهو: أنَّ الحديث الواحد قد يتضمن أكثر من مفردة غريبة، فهل يَسْرد النص كاملاً وفق الترتيب الهجائي لأول لفظٍ غريب، ثم يَذْكر اللفظ الغريب الثاني في