للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الأول: حركة التأليف في غريب الحديث]

نهض العلماء منذ وقتٍ مبكرٍ لخدمة حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتعدَّدت اتجاهاتهم ومناهجهم العلمية لتحقيق هذه الخدمة، وكانوا يَعُدُّونها من أعظم العبادات. وعلم غريب الحديث مظهرٌ من مظاهر الجهود الحثيثة التي بُذِلَتْ في سبيل بيان حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإدراك فقهه ومقاصده. وقد كان الفقهاء يكرهون التسرُّع في تفسير الغريب منه. ويذكرون أنَّ الإمام أحمد سُئل عن حرفٍ من غريبِ الحديث فقال: "سلوا أصحابَ الغريب فإني أكره أن أتكلمَ في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالظنِّ فأخطئ" (١) .

وأمَّا عن بواكير التصنيف في هذا العلم، فإذا كنَّا قد وجدنا من ينسب إلى الصحابي الجليل ابن عباس -رضي الله عنهما- شيئاً من ذلك فيما يتعلق بغريب القرآن (٢) فإننا لا نجدُ من يَنْسُب إليه أو إلى أحد معاصريه أو تلاميذه شيئاً في غريب الحديث (٣) .

والواقع أنَّ حركةَ التأليفِ في غريب الحديث تبدأ من أواخر القرن الثاني الهجري، وقد ترك طائفةٌ من علماء اللغة المتقدمين مصنفاتٍ أو شَذَراتٍ مختصرةً فيه، وبعضها كان في وُرَيْقاتٍ ككتاب أبي عبيدة مَعْمَر بن المثنى، إذ وصفه ابن الأثير بقوله (٤) : "كتاباً صغيراً ذا أوراق معدودات"، وبعض هذه


(١) انظر: مقدمة ابن الصلاح: ٢٤٥، وتدريب الراوي: ٢/١٨٤.
(٢) انظر: الإتقان: ٢ / ٥٥.
(٣) المعجم العربي: ص /٥٠.
(٤) النهاية: ١ / ٥.

<<  <   >  >>