يتبوأ كتاب"النهاية في غريب الحديث والأثر"مكانة علية في تاريخ حركة التأليف في هذا العلم، وسوف نجمل الآن معالم هذه الأهمية في الفقرات التالية:
١ ـ تبيّن لنا في وصف حركة التأليف في غريب الحديث، قبل ابن الأثير، سعة هذا التراث الذي صُنِّف حول مادة غريب الحديث، ومن هنا كان أمام"ابن الأثير"عندما عزم على الخوض في هذا المجال عشرات المصنفات التي أفاد منها، وقدَّم في"النهاية"جانباً من وصفها، وكان طائفة منها قد ضاع ولم يصل إلينا شيءٌ منه، ومن هنا حفظ لنا كتاب"النهاية"قَدْراً واسعاً من أقوال علماء اللغة والغريب حول أحاديث الباب، وجمع كثيراً من الأقوال والآراء التي قيلت في تأصيل مادة غريبها، سواء فيما يتعلق بخدمة الجانب اللفظي من الحديث، وما يتضمن من ثروة لغوية كمعرفة لغات القبائل، وتمييز الفصيح منها من غير الفصيح، وضروب من المشتقات والأوزان والنوادر، والتعريف بالأماكن، وسرد الشواهد النادرة، أو خدمة الجانب المعنوي في دلالات الحديث ومقاصده، إذ إن"ابن الأثير"حرص على ألا يكتفيَ بقول راجح في معاني ألفاظه ومقاصده، وإنما عرض صفوة الأقوال، فمن خلال"النهاية في غريب الحديث والأثر"يستطيع المُراجِع أن يقف على مجمل الثروة اللفظية والمعنوية التي تناولَتْ أحاديث الباب، سواء منها ما وصلَنا من مصنفات مثل كتاب ابن قتيبة، وأبي عبيد، والمديني، والزمخشري، أو ضاعت أصوله، فحفظ لنا كتاب:"ابن الأثير"طائفة منها، من مثل كتاب"غريب الحديث"للحربي (١) و"غريب الحديث"لـ شمربن حمدويه، كما حفظ لنا كثيراً من أقوال اللغويين، الذين لم تصلنا مصنفاتهم كـ: نفطويه، والأصمعي،
(١) حقق الدكتور سليمان العايد المجلدة الخامسة منه.