تتبَّعتُ في الصفحات السابقة نصوص اللغويين؛ لأصلَ إلى معاني مادة"غرب"ودلالتها، وحاولتُ أن أفسِّر نشأة علم الغريب، وأسباب هذه النشأة، واستعرضتُ حركة التأليف فيه ومناهج العلماء في خدمة حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد تبيَّن لي أنَّ معظم علماء اللغة المتقدمين قد تركوا مؤلفات مختصرة أو مطوَّلة في هذا الحقل، وقد انتخبتُ أشهرَ المؤلفاتِ في هذا العلم للتعريف بها.
ثمَّ شرعتُ في التعريف بمجد الدين بن الأثير ومقدمة كتاب"النهاية"، وفصَّلتُ في معالم منهجه، وأوجه عنايته بتفسير الغريب، وقسَّمتُ هذه العناية إلى جانب التأصيل اللغوي، وجانب البيان المعنوي، ثمَّ تحدثتُ عن أهمية معجم"النهاية"، وأشرتُ إلى شيء من المآخذ التي أخذتُها على ابن الأثير، ومعجم"النهاية"في الحقيقة غنيٌّ يستحقُ المزيدَ من الوقفات العلمية المطوَّلة.
ويسرُّني من خلال هذه الندوة المباركة أن أوصي بما يلي:
١ ـ أن تُعنى أقسامُ الحديث الشريف واللغة العربية في الجامعات الإسلامية بجمع تراث غريب الحديث، وتسعى في تحقيقه تحقيقاً علمياً يناسب أهميته، وذلك لأنَّ خدمة حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبادة جليلة ينبغي أن ننهضَ لها، ونتابع السلف الصالح في العناية بها.
٢ ـ تبيَّن لنا من خلال البحث طرف من اختلافات علماء الغريب في تحديد دلالة بعض الألفاظ الغريبة ومعانيها، ومن هنا فإنَّ تفسير أحد العلماء للفظةٍ غريبة وردت في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يجوز أن يُقطع به. وعلى الباحثين أن يصلوا إلى معرفة مجمل الآراء التي أدلى بها علماءُ السلف في تفسير هذا الغريب، فلا يجوز استنباط أحكام شرعية أو القطع في معاني ألفاظ الحديث إلا بعد الاطلاع على أقوال العلماء كافة.