للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

٢ ـ جانب البيان المعنوي للغريب:

تتضح خدمة ابن الأثير للغريب من جانب المعنى في المظاهر التالية:

١ ـ قد لا يلمح صاحب"النهاية"في حديث الباب الذي يعرض له، لفظة غريبة معينة، وإنما يلحظ جلاء معناه العام، ومقاصده، فيشرحه شرحاً إجمالياً، لأنه لم يستوقفه فيه غريب معين، وكأنَّ الغريب معناه العام، فيشرع في بيانه. ففي الحديث (١) "الهَدْيُ الصالح والسَّمْتُ الصالح جزء من خمسةٍ وعشرين جزءاً من النبوَّة". يقول: "أي إنَّ هذه الخِلال من شمائل الأنبياء، ومن جملة الخصالِ المعدودةِ من خصالِهم، وأنها جزءٌ معلومٌ من أجزاء أفعالهم، فاقتَدوا بهم فيها، وتابِعوهم عليها. وليس أنَّ المعنى أنَّ النبوَّة تتجزَّأُ، ولا أنَّ من جَمَعَ هذه الخلالَ كان فيه جزءٌ من النبوَّة، فإنَّ النبوَّةَ غيرُ مكتسَبة ولا مجتلَبَةٍ بالأسباب، وإنما هي كرامة من الله تعالى، ويجوز أن يكون أراد بالنبوَّة هاهنا ما جاءت به النبوةُ ودَعَتْ إليه من الخيرات".

ويعرض للحديث (٢) "يُبْصِرُ أحدكم القَذَى في عين أخيه ويَعْمَى عن الجِذْعِ في عينه". فيقول: "ضربه مثلاً لمن يرى الصغير من عيوبِ الناس ويُعَيِّرهم به. وفيه من العُيوب ما نِسْبَتُه إليه كنسبة الجِذْعِ إلى القَذاة".

ويشير إلى الحديث (٣) : "أنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر: متى تُوتِرُ؟ قال: أولَ الليل. وقال لعمر: متى تُوتِرُ؟ فقال: من آخر الليل. فقال لأبي بكر: أخَذْتَ بالحزم، وقال لعمر: أخَذْتَ بالعزمِ". يقول ابن الأثير: "أراد أنَّ أبا بكر حَذِرَ فواتَ الوِتْر بالنوم فاحتاط وقَدَّمه، وأنَّ عمر وَثِقَ


(١) النهاية: ١/ ٢٦٥.
(٢) النهاية: ٤ / ٣٠.
(٣) النهاية: ٣ / ٢٣٢.

<<  <   >  >>