للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال الشافعي: “ فإذا كان زحام لا يمكن معه أن يَخُبَّ، فكان إن وقف، وجد فرجة، وقف. فإذا وجد الفرجة رمل. وإن كان لا يطمع بفرجة، لكثرة الزحام، أحببت أن يصير حاشية في الطواف، فيمكنه أن يرمل، فإنه إذا صار حاشية، أمكنه أن يرمل، ولا أحب ترك الرمل” ١.

وقالوا: المحافظة على فضيلة تتعلق بنفس العبادة، أولى من المحافظة على فضيلة تتعلق بمكانها، أو زمانها٢. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “ قال أصحابنا يُستحب للطائف الدنو من البيت في الطواف إلا أن يُؤذي غيره، أو يتأذى بنفسه، فيخرج إلى حيث أمكنه. وكلما كان أقرب، فهو أفضل، وإن كان الأبعد أوسع مطافاً وأكثر خطىً، فإن لم يمكنه الرمل مع القرب، لقوة الازدحام، فإن رجا أن تخف الزحمة، ولم يتأذ أحد بوقوفه، انتظر ذلك، ليجمع بين قربه من البيت، وبين الرمل، فإن ذلك مقدم على مبادرته إلى تمام الطواف. وإن كان الوقوف لا يُشرع في الطواف. قال أحمد: فإن لم تقدر أن ترمل، فقم حتى تجد مسلكاً ثم ترمل. فإن لم يمكنه الجمع بين القرب والرمل. فقال القاضي وغيره: يخرج إلى حاشية المطاف، لأن الرمل أفضل من القرب، لأنه هيئة في نفس العبادة، بخلاف القرب، فإنه هيئة في مكانها” ٣.


١ الأم ٢/١٧٤، ١٧٥.
٢ انظر: كشاف القناع ٢/٥٥٩، إعانة الطالبين ٢/٣٠٠. وقال السيوطي في الأشباه والنظائر ص١٤٧: “القاعدة الثانية والعشرون: الفضيلة المتعلقة بنفس العبادة، أولى من المتعلقة بمكانها..، الدنو من الكعبة في الطواف مستحب، والرمل مستحب، فلو منعته الزحمة من الجمع بينهما، ولم يمكنه الرمل، وأمكنه مع البعد، فالمحافظة على الرمل مع البعد أولى من المحافظة بلا رمل لذلك”. وقال الماوردي في الحاوي ٤/١٤١: “وإنما كان الرمل أوكد، لأنه سنة والدنو فضيلة، والسنة أوكد من الفضيلة، ولأن الرمل من هيئات الطواف المقصودة، وليس الدنو من البيت من هيئته”.
٣ شرح العمدة ٣/٤٤٢، ٤٤٣. ثم أورد قول ابن عقيل من الحنابلة، وأجاب عليه. فقال: “وقال ابن عقيل: يطوف قريباً على حسب حاله، ولأن الرمل هيئة فهو، كالتجافي في الركوع والسجود، ولا يترك الصف الأول، لأجل تعذرها. فكذلك هنا لا يترك المكان القريب من البيت لأجل تعذر الهيئة. والأول أولى، لأن الرمل سنة مؤكدة بحيث يكره تركها، والطواف من حاشية المطاف لا يكره، بخلاف التأخر إلى الصف الثاني في الصلاة، فإنه مكروه كراهة شديدة. والفرق بين الصف الأول، وبين داخل المطاف: أن المصلين في صلاة واحدة، ومن سنة الصلاة إتمام الصف الأول، بخلاف الطائفين، فإن كل واحد يطوف منفرداً في الحكم فنظير ذلك أن يصلي منفرداً في قبلي المسجد مع عدم إتمام هيئات الصلاة، فإن صلاته في مؤخره مع إتمامها أولى. وأيضاً فإن تراص الصف وانضمامه سنة في نفسه فاغتفر في جانبها زوال التجافي بخلاف ازدحام الطائفين فإنه ليس مستحباً، وإنما هو بحسب الواقع. وأيضاً فإن فضيلة الصف الأول ثبتت بنصوص كثيرة بخلاف داخل المطاف. على أن المسألة التي ذكرها فيها نظر. فأما إن خاف إن خرج أن يختلط بالنساء، طاف على حسب حاله ولم يخرج”.

<<  <   >  >>