للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الطبيب معالجة المريض فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما أنا لكم بمنزلة الوالد وقد قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب] “١.

قال ابن حزم رحمه الله في أهمية إلتزام الدعاة بآداب المواعظ: “ الإتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم في وعظ أهل الجهل والمعاصي والرذائل واجب، فمن وعظ بالجفاء والإكفهرار فقد أخطأ وتعدى طريقته صلى الله عليه وسلم وصار في أكثر الأمر مغريا للموعوظ بالتمادي على أمره لجاجا وحردا ومغايظة للواعظ الجافي، فيكون في وعظه مسيئا لا محسنا، ومن وعظ ببشر وتبسم ولين وكأنه مشير برأي ومخبر عن غير الموعوظ بما يستفتح من الموعوظ فذلك أبلغ وأنجع في الموعظة، فإن لم يتقبل فلينتقل إلى الموعظة بالتحشيم وفي الخلاء، فإن لم يقبل ففي حضرة من يستحي منه الموعوظ، فهذا أدب الله في أمره بالقول واللين، وكان صلى الله عليه وسلم لا يواجه بالموعظة لكن كان يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا، وقد أثنى ـ عليه الصلاة والسلام ـ على الرفق وأمر بالتيسير ونهى عن التنفير، وكان يتخوّل بالموعظة خوف الملل، وقال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللهِ لِنْتَ لهُمْ وَلوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّل عَلى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:١٥٩] .

وأما الغلظة والشدة فإنما تجب في حد من حدود الله تعالى، فلا لين في ذلك للقادر على إقامة الحد خاصة.

ومما ينجع في الوعظ أيضا الثناء بحضرة المسئ على من فعل خلاف فعله، فهذا داعية إلى عمل الخير، وما أعلم لحب المدح فضلا إلا هذا وحده، وهو أن يقتدي به من يسمع الثناء، ولهذا يجب أن يؤرخ الفضائل والرذائل لينفر سامعها عن القبيح المأثور عن غيره، ويرغب في الحسن المنقول عمن تقدمه ويتعظ بما سلف”٢.


١ منهاج السنة ٥ / ٢٣٧.
٢ الأخلاق والسير – ص ٦٣ وما بعدها.

<<  <   >  >>