للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كاملة تامّة سدّت كل ما لم تأتِ به الشرائع السابقة، وأكَّدت ما جاءت به هذه الشرائع السابقة، فلا حاجة إذًا ولا داعي لمجيء شريعة أخرى؛ لأن الله -تبارك وتعالى- ما قبض رسوله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ولا توفَّاه حتى أنزل عليه في حجة الوداع قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: ٣)، فمع هذا الكمال والتمام لا داعي لمجيء شريعة أخرى، وحيث لا شريعة أخرى فلا رسولَ آخر بعد محمد -صلى الله عليه وسلم.

وعموم الشريعة الإسلامية وبقاؤها وعدم قابليتها للنسخ والتبديل والتغيير بالتنقيص أو الزيادة كل ذلك يستلزم عقلًا وعدلًا أن تكون قواعدها وأحكامها ومبادئها، وجميع ما جاءت به على نحو يحقّق مصالح الناس في كل عصر ومكان، ويفي بحاجتهم ولا يضيق بها، ولا يتخلف عن أي مستوى عالٍ يبلغه المجتمع البشري، إن هذا والحمد لله متوافرٌ في الشريعة الإسلامية؛ لأن الله تعالى وهو العليم الخبير إذ جعلها عامة في المكان والزمان، وخاتمة لجميع الشرائع، جعل قواعدها وأحكامها صالحةً لكل زمان ومكان، ومهيئة للبقاء والاستمرار لهذا العموم.

والدليل على ذلك أن الله -تبارك وتعالى- شرع الأحكام لكل ما يحتاجه الناس من الضروريات والحاجيات والتحسينيات، فمدار الشريعة كلها على تحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل؛ أي: في الدنيا والآخرة، ودرء المفاسد والأضرار عنهم في العاجل والآجل أيضًا، حتى إن بعض الفقهاء قال وقوله حق: إن الشريعة كلها مصالح إما درء مفاسد أو جلب مصالح.

فهذا هو الدليل من الكتاب والسنة وأقوال علماء الأمة على عالمية رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم، وأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يُبعث لقومه خاصة كما كان الأنبياء قبله يُبعثون إلى قومهم خاصة، وإنما فضّله الله -تبارك وتعالى- وميزه على سائر من سبقه من الأنبياء والمرسلين بأن جعله خاتم النبيين وجعل رسالته رحمة للعالمين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.

<<  <   >  >>