للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القراءة بالذكر لأنها نقطة الانطلاق للإنسان ومفتاح رقيه، ولأن العمل في الإسلام يجب أن يقوم على العلم، والعلم مفتاحه القراءة، وأمر الإنسان بالقراءة معناه: قدرته على أن يفعل، وقدرته على أن يترك أيضًا، وهذا يعني إثبات مسئولية الإنسان ودور إرادته، فالآلة الصماء لا تؤمر ولا تنهى.

ولم يؤمر الإنسان هنا بمجرد القراءة، بل أمر بقراءة مقيدة باسم ربه {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} الخالق، والقرآن هنا حريص على التعبير عن ذات الله -سبحانه تعالى- في هذا المقام باسم الرب مضافًا إلى ضمير المخاطب وهو الإنسان، وذلك لما يوحي به اسم الرب من معاني التربية والرعاية والترقية في مدارج الكمال، وما توحي به الإضافة والخطاب من القرب والاختصاص والتكريم، وقد تكرر اسم الرب هكذا مرتين مع وصفه مرة بالخالقية ومرة بالأكرمية: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} فعلاقة الإنسان ليست بمجرد رب ولا برب كريم فقط، بل برب أكرم بل بالرب الأكرم على الإطلاق؛ لأنه سبحانه يعطي بغير حساب وبغير عوض ولا مقابل.

وذكر القرآن الكريم من دلائل أكرمية رب العالمين أنه سبحانه الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، فالله تعالى بالنسبة للإنسان مُعلم، والإنسان مُتعلِّم ما لم يكن يعلم، هذه ميزته استعدادٌ للتعلم بالقراءة والكتابة بالقلم، كما قال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} (النحل: ٧٨) هذه هي أولى الآيات نزولًا على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وهذا هو أول نص نزل به الوحي الإلهي على محمد -صلى الله عليه وسلم، وهو نص فريد ورائع حقًّا، حرص على تأكيد أمور معينة من أول لحظة:

من هذه الأمور: أن الإنسان مخلوق مكلف.

<<  <   >  >>