للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غيره، فما قام به غيره سقط عنه وما عجز لم يطالب به، كما يمكن الجمع بين القولين بتقسيم الدعوة إلى قسمين: دعوة خاصة ودعوة عامة؛ فالخاصة في بيت الرجل وبين أهله وفي سلطانه وهذه الدعوة الخاصة فرض عين لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)) والدعوة العامة في سائر المسلمين دعوة إلى الخير وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وهي فرض كفاية لقول الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: ١٠٤).

وأخيرًا فإن تحقق الكفاية في الدعوة اليوم أمر مُتعذِّر وغير متيسر، فدعوة المسلمين مجال رحب فسيح متجدد وأوسع منه وأرحب دعوة غير المسلمين للإسلام، كل ذلك في عالم يموج بالفتن وتستحكم فيه الجهالة ويتّسع فيه الخرق على الراقع؛ ولهذا فإن الدعوة إلى الله -عز وجل- اليوم أصبحت فرضًا عامًّا وواجبًا على جميع العلماء وعلى جميع الحُكَّام الذين يدينون بالإسلام، فرض عليهم أن يبلغوا دين الله حسب الطاقة والإمكان بالكتابة والخطابة وبكل وسيلة استطاعوا، وفرض عليهم ألا يتقاعسوا عن ذلك الواجب أو يتكلموا على زيد أو عمرو؛ فإن الحاجة بل الضرورة ماسة إلى التعاون والاشتراك والتكاتف في هذا الأمر العظيم.

ومن الخطأ أن يُفهم القرآن الكريم فهمًا خاطئًا ويُحمل على غير مراده، فيتقاعس الناس عن القيام بواجب الدعوة، ويتركون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محتجين بظاهر بعض الآيات التي أخطئوا في فهمها، ومنها مثلًا قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (المائدة: ١٠٥) ففهمَ بعض الناس من ظاهر هذه الآية أن المسلم إذا كان مهتديًا في نفسه فلا يضره ضلال غيره وإلا لم يقم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا خطأٌ جاء من الفهم السقيم للآية؛ ولذلك لما أحسّ أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بوجود مثل هذا الفهم في نفوس بعض الناس قام في الناس خطيبًا فقال: "أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتتأولونها على غير تأويلها، وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يَعُمَّهم بعقاب من عنده)).

إذا معنى الآية كما فصل ذلك كثير من السلف {يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} يعني: إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر، ولم يُستجب لكم- فحينئذٍ لا يضركم ضلال من ضل، فإن الله تعالى قال: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، أما إذا أما إذا فشا المنكر وزاع وشاع في الناس وسكت القادرون عن إنكاره؛ فإن ضلال الضالين يضر المهتدين الذين قعدوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن

<<  <   >  >>