للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التواتر، ثم اشتهرت، وتواترت في القرن الثاني والثالث، وهما عصرا التابعين وتابعي التابعين.

ومن هذا التعريف يتضح لنا بجلاء أن السنة المشهورة غير مقطوع بصحة نسبتها إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم، ولكنها مقطوع بصحة نسبتها إلى الراوي لها عن الرسول -صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال الحنفية عنها: أنها تفيد ظنًّا قويًّا كأنه اليقين، وهو يسمى بعلم الطمأنينة بصحة نسبتها إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم، وهي بمنزلة السنة المتواترة عند الحنفية من جهة لزوم العمل بها، وجعلها مصدرًا تشريعيًّا، ودليلًا من أدلة الأحكام ومن هذا النوع حديث: ((إنما الأعمال بالنيات))، وحديث تحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها.

أما سنة الآحاد: فهي ما رواها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عدد لم يبلغ حد التواتر؛ وذلك في عصر التابعين وتابعيهم فهي ما ليست سنة متواترة ولا مشهورة على قول الأحناف، أو ما ليست متواترة على قول الجمهور، فالسنة عند الجمهور -كما ذكرنا- متواترة وآحاد، وعند الأحناف فصلوا بين المشهور والآحاد، وسنة الآحاد عند الجمهور تفيد الظن الراجح بصحة نسبتها إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم، وتفيد العلم لا الظن عند الظاهرية وبعض أهل الحديث.

ولكن؛ هل تعتبر سنة الآحاد مصدرًا من مصادر التشريع؟

الجواب: لا خلاف بين المسلمين أن سنة الآحاد حجة على المسلمين في وجوب العمل بها، والتقيد بأحكامها، وجعلها دليلًا من أدلة الأحكام، والبرهان على ذلك من وجوه عديدة نذكر منها: يقول الله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة: ١٢٢) والطائفة في اللغة تطلق على الواحد، فلولا أن خبر الواحد حُجة في العمل لما كان لإنذار من يتفقه في الدين فائدة.

<<  <   >  >>