للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قولهم مرجوح صحيح أنهم أرادوا أن يحتاطوا للسنة إلا أن قولهم مرجوح، وقول غيرهم هو الراجح؛ لأن السنة متى صحت روايتها بأن رواها العدول الثقات الضابطون لزم اتباعها والأخذ بها واستنباط الأحكام منها، سواء وافقت عمل أهل المدينة أم خالفته، وسواء اتفقت مع الأصول المقررة ومقتضى القياس أم لم تتفق، وسواء عمل بها راويها أو لم يعمل، وسواء كانت في أمر يكثر وقوعه أو يقل؛ لأن أهل المدينة جزء من الأمة لا كلها، والعبرة بما يرويه الراوي لا بما يعمل به؛ إذ ربما يعمل بخلاف ما روى خطأ أو نسيانًا أو تأويلًا. فهو بشر غير معصوم.

وكون الأمر الذي جاءت به السنة كثير الوقوع لا تأثير له في قبول أو رد أخبار الآحاد؛ لأن الحاجة لمعرفة حكم ما يقل وقوعه كالحاجة لمعرفة حكم ما يكثر وقوعه، وكلاهما قد ينقله الآحاد فضلًا عن أن الكثرة أو القلة لا ضابط لها في هذا الباب.

أما التشبث بمخالفة سنة الآحاد للأصول فغير مقنع، لأن السنة هي التي تؤصّل الأصول، فإذا جاءت بحكم يخالف الأصول الثابتة فإنها تعتبر أصلًا قائمًا بنفسه يعمل في دائرته، كما في السلم "بيع السلم" مع أنه بيع معدوم والاستقراء دلَّ على أن المردود من سنة الآحاد الصحيحة السند بحجة المخالفة للأصول إنه في الحقيقة موافق للأصول لا مخالف لها، فحديث المصراة الذي ردّوه بحجة المخالفة للأصول غير مخالف للأصول التي قالوها، فقاعدة الخراج بالضمان لا تعمل هنا؛ لأن اللبن المصَّرى لم يحدث بعد الشراء، وإنما كان قبله، فليس هو من قبيل الغلة التي تحدث عند المشتري حتى يستحقه، وقاعدة الضمان لا تعمل هنا

<<  <   >  >>