فمتى ابتعد الإنسان عن الإفراط، والتفريط فقد اعتدل على أوسط الطريق، واستقام على الصراط المستقيم كما أمر الله حيث قال:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ولَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}(الأنعام: ١٥٣)، وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يسألوه في صلواتهم:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولَا الضَّالِّينَ}(الفاتحة: ٦، ٧)"فالمغضوب عليهم": الذين فرطوا، وقصروا تعلموا، ولم يعملوا، و"الضالون": الذين غلوا وأفرطوا، وتشددوا حتى ابتدعوا، و"الصراط المستقيم": الذي هدى الله إليه النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين هو العمل بالعلم في غير إفراط، ولا تفريط.
وقد أنعم الله تعالى على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بالهداية إلى هذا الصراط المستقيم؛ فكانوا بذلك أمة، وسطًا كما قال تعالى:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا ولَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ والْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسَطًا}(البقرة: ١٤٢، ١٤٣) فالوسطية: تعني اتباع الصراط المستقيم، والثبات عليه، والحذر من الميل إلى أحد جانبيه.
ولقد ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك مثلًا محسوسًا، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: ((كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فخط خطًّا، وخط خطين عن يمينه، وخط خطين عن