للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حصيد اللسان ذليق الكلام ... غير عييّ ولا مسهب

يبذّ الجياد بتقريبه ... ويأوي إلى حضر ملهب

أقبل معاوية يوما على بني هاشم فقال: إنكم تريدون أن تستحقوا الخلافة بما استحققتم به النبوة، ولن يجتمعا لأحد، ولعمري إنّ حجتكم في الخلافة لمشبّهة على الناس، إنكم تقولون: نحن أهل نبيّ الله عليه السلام، فما بال خلافة نبوّته في غيرنا، فهذه شبهة لها تمويه، وإنّما سميت الشبهة لأنها تشبه مسحة من العدل. وأمّا الخلافة فقد تنقلت في أحياء قريش برضى العامّة وبشورى الخاصّة، فلم تقل الناس: ليت بني هاشم، ولو أن بني هاشم ولوا كان خيرا لنا في ديننا ودنيانا، فلا هم اجتمعوا عليكم، ولا هم إذا اجتمعوا على غيركم تمنّوكم، ولو زهدتم فيها أمس لم تقاتلوا عليها اليوم. وقد زعمتم أن لكم ملكا هاشميا مهديا قائما، والمهدي [١٨ أ] عيسى بن مريم صلوات الله عليه، وهذا الأمر في أيدينا حتى نسلّمه إليه، ولعمري لئن ملكتموها ما ريح عاد وصاعقة ثمود بأهلك للقوم منكم لهم، ثم سكت. فتكلّم ابن عبّاس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أمّا قولك:

نستحقّ الخلافة بالنّبوّة، فإذا لم نستحقّها بالنّبوة فبم إذن نستحقّها؟

وأما قولك: إنّ الخلافة والنبوّة لا تجتمعان [١] لأحد فأين قول الله، فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً ٤: ٥٤ [٢] . ونحن آل إبراهيم صلى الله عليه وسلّم، أمر الله فينا وفيهم واحد، والسنة لنا ولهم جارية. وأما قولك: إنّ قولنا في الخلافة مشبه، فو الله لهو أضوأ من ضوء القمر، وأنور من نور الشمس، وإنّك لتعلم ذلك، ولكن تثني عطفيك


[١] في الأصل: «يجتمعان» .
[٢] سورة النساء، الآية ٥٢.

<<  <   >  >>