للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إنه في الوقت الذي يعل فيه الجسم ويتمنى الإنسان الخروج من علته بأي سبب أو طريق ينهي الإسلام عن التطلع إلى الشفاء بحرام، سدا لذريعة تناول المحرم بكل وجه، وقفلا لهذا الباب أمام النفس لاسيما وأن النفوس قد تميل إلى الشيء الحرام رغبة في الشفاء مما يجعلها تتناوله بشهوة أو لذة، وهذا ضد مقصود الشرع ثم إنه داء كما نصت عليه الأحاديث فلا يجوز أن يتخذها دواء.

في صحيح مسلم عن طارق بن سويد الجعفي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: "إنه ليس بدواء، ولكنه داء" ١.

وعن طارق بن سويد الحضرمي قال: قلت يا رسول الله إن بأرضنا أعنابا نعتصرها فنشرب منها، قال: لا، قال: فراجعته قلت: إنا نستشفي للمريض، قال: إن ذلك ليس بشفاء ولكنه داء ٢.

بل لقد ذهبت الشريعة أبعد من هذا.. حين نهت عن مجرد الاستعانة بالمسكر في بعض الأدوية.

ففي السنن أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر يجعل في الدواء فقال: "إنها داء وليست بالدواء.." ٣.

أرأيت: إنه في الوقت الذي قد يظن فيه أن النفس قد تميل إلى الاستشفاء بمحرم يقطع الإسلام عليها هذا الطريق، ويبغضها فيه ولو في أوقات الشدة والمرض فكيف بأوقات الصحة والعافية، إن احتقاره والنفرة منه أشد وأولى.

ولقد أشارا ابن القيم إلى معنى دقيق هنا في كون المحرمات لا يستشفى بها، قال:"إن شرط الشفاء بالدواء تلقيه بالقبول واعتقاد منفعته وما جعل الله فيه من بركة الشفاء، فإن النافع هو المبارك، وأنفع الأشياء أبركها.

ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين مما يحول بينه وبين اعتقاد بركتها ومنفعتها، وبين حسن ظنه بها، وتلقى طبعه لها بالقبول، بل كلما كان العبد أعظم إيمانا كان أكره لها، وأسوأ اعتقادا فيها، وطبعه أكره شيء لها، فإذا تناولها في هذه الحال كانت داء له لا دواء، إلا أن يزول اعتقاد الخبث فيها، وسوء الظن والكراهية لها بالمحبة، وهذا ينافي الإيمان فلا يتناولها المؤمن قط إلا على وجه داء ٤.


١ مسلم في الأشربة.
٢ أحمد وابن ماجة.
٣ أبو داود والترمذي.
٤ زاد المعاد ج٤ /١٥٨ ط سنة ١٣٩٩هـ.

<<  <   >  >>