للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصواب من الخطإ إذا لم يقبل التنبيه على ذلك؟ ولعل حكام الاشتراكية يضفون على ذواتهم المحترمة صفة العصمة من الخطإ، لهذا فهم في غنى عن النصائح وعمن يرشدهم إلى خطإهم.

وقد مضى ذلك الزمان الذي كان الحكام يقبلون فيه النصيحة والإرشاد، ويرون ذلك علامه على حيوية الأمة ويقظتها واهتمامها بما يقع فوق ترابها، فهي لا تسكت عن الخطإ أو الظلم ولو كان مصدره رمز سيادتها، وأذكر بهذه المناسبة أن حاكم تركيا (مصطفى كمال) لما استولى على الحكم بعد أن طرد الخليفة العثماني - السلطان عبد المجيد - وألغى الخلافة الإسلامية سنة (١٩٢٤) وأسس حزبه - حزب الشعب - وأسس البرلمان بنوابه، طلب من المعارضة - ولا بد من وجود معارضة في كل بلد - أن تؤسس حزبا لمعارضة الحكومة وانتقادها إذا انحرفت عن الطريق السوي، وتم ذلك، وأصبحت المعارضة - بنوابها - تناقش الحكومة في كل شيء، وبوجود المعارضة يظهر الخطأ من الصواب، أما النظام الاشتراكي وما يدور في فلكه فإنه لا يسمح بتأسيس أي حزب أو هيئة، ولو كانت دينية توجيهية، وما وجد منها فهو معرض للتعطيل بأدنى سبب، وهذا ما يطلق عليه بـ (نظام الحزب الواحد) فهل هذا من الحرية والديموقراطية التي تدعيها الاشتراكية؟ الجواب عند الواقع وكفى.

اذ من المعلوم - بناء على هذا - أن كل قرار يصدر يفرض على الشعب فرضا، ولا يحق لأي أحد أن يبدي رأيه فيه، بل ما عليه إلا الرضى والقبول - سلم تسلم - وهي الكلمة التي كان يقولها الطرقيون، وإن عارض معارض أو انتقد منتقد فعاقبته السجن والتعذيب والإبعاد إلى البقاع القاصية القاسية، ثم الطرد من منصبه والتنكيل به، وهلم جرا، ويحرم من حقوقه - كمواطن - وللمواطن في كل دولة حقه الطبيعي، فإذا طلبه مكن منه إلا في النظام الاشتراكي، فإذا طلبه - أي حق المواطن - من وسم بسمة المعارضة للنظام الاشتراكي فإنه لا يمكن منه، وما هنالك إلا ما قاله الحزب الحاكم، فهو إذن حكم استبدادي لا شورى فيه، ولا مناقشة فيما يقرر بل يفرض على الشعب فرضا لأن مجلس نواب الأمة - لا نواب الحزب - معطل وملغى، وفي المناسبات يصرح المسؤولون بأن الشعب هو الذي اختار النظام الاشتراكي، والشعب المسكين بريء من ذلك.

<<  <   >  >>