للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عزته المتصرف في كل شيء وحده، لا نحن ولا أنتم وما علينا إلا السعي والعمل فعلينا أن نسعى ونعمل، والرزق تكفل الله به خالقنا وخالقكم فهو الذي بيده كل شيء - آمنا به وكفرتم - وهو لا يضيع أجر العاملين.

في القرآن آيات تدل على قسمة الأرزاق والحظوظ، وأن الذي خلق لا يضيع خلقه، ومن المؤسف ما يتفوه به بعض المغرورين من حكام المسلمين عندما يتوصلون إلى مناصب عالية في الحكم، فيغترون بمنصبهم ذلك، ويظنون أن فطنتهم وحذقهم هو الذي بوأهم ذلك المنصب، فيسخرون بالعباد ويهزؤون بالقرآن ويريدون أن يفسروا القرآن كما واتتهم به الفرص والحظوظ، جاهلين حكمة العليم الحكيم، وأن الحظ الذي واتاهم هو من الله ليريهم للناس على حقيقتهم، ليشكروا أو يكفروا، {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} (١) قال الله تعالت قدرته، وبهرت العباد حكمته، مبينا أنه هو الرزاق لا غيره {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (٢) وقال: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (٣).

آه ثم آه لو فكرنا في هذه الآية الأخيرة تفكيرا صحيحا فطريا لاهتدينا جميعا إلى الطريق المستقيم، فهذه الآية في قسمة الأرزاق يفهمها ويؤمن بها المؤمن وينكرها الكافر المنكر، الجاحد المخطئ، وسيعلم بعد حين عاقبة كفره وجحوده وخطئه.

إن الملاحدة وغيرهم ابتدعوا - في تضليلهم - دعاوى ينفرون بها المسلم من دينه، ويجعلونه يتبرأ منه ويحاربه ويوسوسون له بأن ما نزل بالمسلمين من محن ومصائب إنما هو من تمسكهم بدينهم.

وهذا توضيح موجز في حكمة جعل الناس درجات وطبقات - كما مر في آية الزخرف - متفاوتة، فيما يمكن فيه التفاوت، في أصل خلق الإنسان


(١) من الآية ٤٠ من سورة النمل.
(٢) الآية ٦ من سورة هود.
(٣) الآية ٣٢ من سورة الزخرف.

<<  <   >  >>