للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي تكثر منه ومن فرقه لا تستطيع أن تواجه خصومها في ميادين الحياة والجد، لأنها أضاعت أوقاتها في الهزل واللعب، ولربما يقضي ذلك عليها كأمة بين الأمم فهل نسينا أن الفن والغناء هما العامل القوي الذي عجل بضياع الأندلس - الفردوس المفقود -؟ فقد كان الغناء وما جر إليه هو الشغل الشاغل للأمراء وقادة الجيوش وبيوت العظماء وذوي الثراء منهم، فاشتغلوا به وأعرضوا عن النظر في شؤون الدولة وشؤونهم، وهم أمام أعدائهم، فلم ينتبهوا من سكر الفن حتى داهمهم الشر والعدو من كل جانب، فالحياة حياة جد وعمل، لا حياة هزل وكسل.

وكضياع الوقت بلا طائل ضياع المال الذي ينفق على الفن، فهو مال ضائع إذ لا فائدة تعود منه، فلا يستفيد منه إلا المحترف له، وقد صار الفنانون - وخاصة المغنون منهم - من أغنى طبقات الشعوب، لما يملكون من عمارات وغيرها، ولهم أرصدة مدخرة في المصارف، وقد يبلغ كراء المقعد الواحد في حفلة غنائية مائة دينار جزائري، أي عشرة جنيهات أو أكثر، وهذا يدل على السفه وسوء التدبير، ولعل البعض منا لا يعجبه هذا الكلام، ويعده صادرا من رجل متأخر - حسبما يرى - ومع هذا فهو الحقيقة، والحقيقة لا تخفى على أحد، ولبعض المغنين تطأطأ الرؤوس، فقد رأيت مرة رئيس جمهورية ذهب إلى المطار لملاقاة أحد المغنين المشهورين.

نعود - بفكرنا - لما تقدم لنرى أن المذهب المزدكي - وما تفرع منه - ذلك المذهب الذي يحمل لأهله وأتباعه كل أنواع الخزي والعار - لم يدع إليه ويحث عليه أي عاقل من البشر، حتى الوثنيون، فقد كانت عندهم أخلاق وعادات حسنة، وغيرة وأنفة على الحرمات، فما هو إلا مذهب من المذاهب الحيوانية البهيمية، وقد بان مما ذكرناه هنا وفيما سبق - أن الشيوعية والاشتراكية اللتين انتشرتا - حديثا - إنما هما تجديد وامتداد للمزدكية.

٧ - رأي أحمد أمين في مذهب مزدك:

قال المرحوم أحمد أمين بعد أن نقل كلام ابن جرير الطبري، وما أمر به - مزدك - أتباعه ما يلي: (فترى من هذا أن تعاليمه - يعني مزدك - إشتراكية من أسبق الاشتراكيات في العالم.) (١).


(١) فجر الإسلام ص ١٣٠ الطبعة الثانية.

<<  <   >  >>