للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٨ - ما قاله المفكر الكبير العلامة ابن خلدون:

وشبيه بهذا ما ذكره العلامة ابن خلدون في تاريخه (كتاب العبر) حيث قال:

(وسورة الخبر - يريد نزاع ملوك الفرس - أن مزدك الزنديق كان إباحيا، وكان يقول باستباحة أموال الناس، وأنها فيء - أي غنيمة - وأنه ليس لأحد ملك شيء ولا حجزه، (وهذا هو نفسه ما تدعو إليه الاشتراكية الشيوعية)، والأشياء كلها ملك لله مشاع بين الناس، ولا يختص به أحد دون أحد، وهو لمن اختاره، فعثر الناس منه على متابعة مزدك في هذا الاعتقاد) (١).

فظاهر من قول ابن خلدون (والأشياء كلها ملك لله مشاع بين الناس) ومما تقدم من قول الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل) عند الكلام على مزدك والمزدكية وهو قوله: (فأحل النساء وأباح الأموال، وجعل الناس شركة فيهما كاشتراكهم في الماء، والنار، والكلاء) أن المزدكية هي نفس الشيوعية والاشتراكية اليوم فيما ترميان إليه من إلحاد وكفر وزندقة وفجور، واستيلاء على أموال الناس، بدعوى ردها إلى الفقراء، وكما رأينا ذلك - أيضا - في كلام المؤرخ الألماني (فلهوزن) حيث قال: (ويروى أن الخرمية، والراوندية، قد جددوا الدعوة إلى الشيوعية في النساء، وهي الشيوعية التي كان مزدك قد دعا إليها من قبل ..).

فهذه الفرق الأعجمية الضالة: المانوية، والمزدكية، والخرمية، والراوندية وغيرها - كالشيوعية، والاشتراكية- هي التي بلبلت أفكار ضعفاء العقول وأصحاب المطامع والشهوات.

فبان من هذه الأقوال كلها أن (الشيوعية) و (الاشتراكية) اللتين ظهرتا في عصرنا هذا هما صنوان - أختان - لشيوعية واشتراكية (مزدك) المجوسي، فالجميع من فصيلة واحدة كما قال القائل الحكيم:

(فإن لم تكنه أو يكنها فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها)

بل - هما هي وهي هما - وإن اختلفت أسماء هذه الاشتراكيات بحسب البلدان التي ابتليت بها وبحسب ما يناسب جو أهل البلد والوطن الذي طبقت فيه، فكل بلد سماها ونعتها بما يوافق هواءها أو هواها، كما تقدت الإشارة إليه من قبل.


(١) كتاب العبر المجلد ٢ ص ٣٥٦ طبع ونشر دار الكتاب اللبناني.

<<  <   >  >>