ولا يغرنكم المتهوكون)) (١) قال عمر: فقلت رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبك رسولا، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجاء في رواية أخرى ذكرها ابن الأثير في كتابه "النهاية في غريب الحديث" قوله صلى الله عليه وسلم: ((أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟)).
والمتأمل في هذه القصة التي تعددت طرق نقلها يدرك ما يرمي إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من وراء هذا الغضب الذي غضبه على صاحبه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه - وهو ذلكم المؤمن القوى في إيمانه الغيور على دينه - فالرسول صلى الله عليه وسلم يعرف أن اليهود والنصارى بدلوا وغيروا كتابيهما ودينيهما، فهو يخشى أن يتأثر المسلمون من بعده - بما فعله أهل الكتاب قبلهم، فيغيرون هم كتابهم القرآن - وبذلك تكون قد سرت إليهم عدوى أهل الكتاب - اليهود والنصارى - كما يرمي إلى أن القرآن كتاب الله حق لا شك فيه، فلا يليق بالمسلم أن يستبدل به كتابا آخر، فهو كتاب جامع مانع، فيه ما يغني المسلمين ويكفيهم عن غيره، سواء في العقائد، أو في العبادات، أو في التشريع والأحكام، كما أن الشريعة الإسلامية صافية نقية من عقائد الزيغ والضلال، بينة الأحكام، طاهرة من كل الأدناس والأرجاس، شريعة العقل الصافي السليم، لأنها تسير معه ولا تصادمه، فالمسلمون في غنى عن أخذ أي شيء من غيرها، بعدما بان لهم التحريف والتزوير في اليهودية والنصرانية، ثم حلف الرسول صلى الله عليه وسلم على أن موسى - الذي أتى بالتوراة - لو كان حيا لا يسعه ولا يكفيه أي شرع ودين إلا الإسلام واتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف يليق بالمسلم بعد هذا أن يأخذ شيئا من شريعة محرفة ومزورة؟ وهذا المحذور الذي حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم صاحبه عمر - الحريص على كسب الخير - قد وقع فيه المسلمون بعد أعصر الإسلام الأولى الطاهرة النقية، فقد أهملوا القرآن - تشريعا، واتباعا، واعتبارا - وأبدلوا به غيره من تشريع البشر، فسلبوا ما كانوا فيه من عز وسيادة وهيبة،
(١) البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف لابن حمزة، قال أخرجه أبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم.