والرغبات تقدم إليه وتطرح للبحث، والتحايا والهدايا تصل من القريب ومن البعيد، فلا يمضي عليه من الوقت إلا قليل على ذلك، إلا والحال معكوسة، فلان الرئيس أو الوزير مكبل في السلاسل، ومودع في سجن مظلم، أو مبعد محروس بشرطة كانت بالأمس القريب تؤدي له التحية بإجلال واحترام، وتتقرب إليه ليرضى عنها، أو مطرود إلى خارج الوطن، أو فر هاربا إلى إحدى الدول، فصار لاجئا - سياسيا - ربما كانت تلك الدولة عدوة له بالأمس القريب، واليوم يلتجئ إليها تاركا وطنه، وإذا بالنقائص والعيوب - عيوب كانت بالأمس محاسن - تنشر وتذاع، والعرض ممزق ملوث بعدما كان مصونا محفوظة كرامته، هو وحده عنده مفتاح الخلاص، وهو الفارس المجلي في هذه الحلبة، وهكذا دواليك، فكأنه جاء إلى هذا المنصب أو ذاك أو جيء به ليقضي فترة من الزمن (تدريبية) كما يفعل بصغار الموظفين، أو كأن حكام المسلمين اليوم مثل الحفظة من الملائكة، لا في الطهر والطاعة لله، بل في التداول والتعاقب على المناصب، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحفظة الكرام الكاتبين:((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار)) (١) فلا استقرار على كرسي ولا اطمئنان على مستقبل، ولا بقاء على حال، فهم كما قيل - ما سلم حتى ودع - نعم هذا شأن الدنيا من قديم الزمان، غير أن ما يحدث هي وقتنا هذا فاق - بكثير - ما كان يحدث في سالف الزمان، وذلك راجع لما قلناه من النزاع والخصام وحب السيطرة الموجودة في رؤساء المسلمين وحكامهم، من غير نظر لمصالح الشعوب، فليكن في هذا العبرة البالغة لذوي الأبصار {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} والدوام لله وحده، والملك لله الواحد القهار.
كل هذا الاضطراب دليل على أن البناء غير راس على قواعد سليمة ومتينة بل على أسس مزيفة وملفقة غير منظور فيها إلى الكفاءات - مع مراعاة الماضي النزيه - بل قد يكون الاختيار للوظائف مراعى فيه الصداقة والصحبة من زمن الصغر - مثلا - واللعب، وقد تكون مبدية على مبادلة المنافع، انفعني أنفعك، كن في عوني أكن في عونك، لهذا ساء الحال - ولعل - والمآل أيضا.