للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا أن المسلم أبله مغفل، بل هو من الإيمان، فالمؤمن يظن بغيره خيرا - يزن غيره بميزان نفسه المؤمنة الطاهرة من الكذب والنفاق - وذلك بحسب إيمانه، والفاجر أو المنافق يتوقع دائما الشر بالقياس على نفسه الشريرة، وأنشد نفطويه في هذا المعنى:

إن الكريم إذا تشاء خدعته ... وترى اللئيم مجربا لا يخدع

ونقل عن عمر بن الخطاب المشهور بالحزم والحذر قوله: (لست بخب، والخب لا يخدعني) (١).

وثانيهما فهم بعض الأجانب - عن الإسلام - لمحاسن الإسلام وفضائله، فأثنوا عليه - بعدما درسوه - ووجهوا النقد واللوم للمسلمين الذين لم يعملوا به ليتخلصوا بواسطته من الشرور والموبقات والتأخر، لم يفعلوا هذا وطلبوا علاج ما هم فيه من تأخر وانحطاط في غيره، فلم يزدادوا إلا بعدا عن حل مشاكلهم، وتوغلا في الفوضى والاضطراب، والمسؤولية الكبرى والعظمى يتحملها علماؤهم، وأمراؤهم، ورؤساؤهم، وزعماؤهم، فهم الذين استبدلوا لهم الطيب بالخبيث، والصحة بالمرض، والحق بالباطل، والنصح بالغش، والصدق بالكذب، فهم كما قال موسى لبني إسرائيل: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}، (٢) ذلك أن الله تعالى أكرمهم - في أرض التيه - بالمن والسلوى - خير الطعام وأفضله - فسألوه - بواسط، موسى - أن يرفعه عنهم ويعوضه لهم بالثوم والبصل والعدس الخ. فنرى المسلمين لذلك قد طال بلاؤهم، وكثر شقاؤهم - ولا زال يطول ويكثر - وطمع فيهم أضعف أعدائهم، ورؤساؤهم في خصام، وزعماؤهم في نزاع وتطاحن من أجل المناصب والكراسي الوثيرة، يتنازعون عن كراسي السلطة والحكم - وهم مرضى بحب الزعامة، والرئاسة، والسيطرة - فمن محاولة انقلاب فاشلة على حكومة قائمة، إلى انقلاب ناجح - إلى حد ما - ومن محاولة اغتيال أو قتل سياسي - للتوصل إلى السلطة - خائبة إلى أخرى صالحة وناجزة، فاليوم فلان جالس على كرسي الوزارة - مثلا - والشرطة تحرسه، والجنود يحيونه، والباب يقرع عليه بلين ورفق،


(١) الخب بفتح الخاء وكسرها الخداع، والغر الذي لا ينتبه للشر.
(٢) سورة البقرة الآية ٦١.

<<  <   >  >>