للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رجال فخرهم بأقوام، إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن)) (١).

فالرسول عليه الصلاة والسلام خاطب قريشا بهذا الخطاب - في ذلك اليوم - الذي له عواقبه في الطاعة والعصيان، وقريش كانت تذكر دائما مفاخر آبائها وأجدادها وتعتز بها، فهو يقول لهم: إن الله ينهاكم عن الافتخار بعظمة آبائكم وأجدادكم الكفار المشركين، ويأمركم بترك نخوة الجاهلية، حيث أبدلكم بذلك فخر الإسلام وعز التوحيد واتباع سبيل الحق والصواب، بعد أن كنتم وكان آباؤكم وأجدادكم يتخبطون في ظلام الجاهلية الجهلاء، ويسلكون طريق الباطل والظلم والعدوان والفساد في الأرض فليفتخر وليفاخر - من أراد ذلك - بالإسلام والمسلمين الرحماء، لا بالشرك والمشركين القساة، والأحساب الماضية لا تساوي شيئا، ثم أكد عليهم بترك ذلك الفخر، وإلا كانوا أحقر على الله من - الخنافس - التي تدفع القذرة والنجاسات بأنفها، وتشم بذلك الرائحة الكريهة الخبيثة، وهو تمثيل عجيب، فيه معنى دقيق لمن تدبره وفهم ما فيه من معاني الخسة والحقارة والهوان.

ويزيد هذا توضيحا ما رواه الإمام أحمد في مسنده - وانفرد به - عن أبي ريحانة، واسمه سمعون، وقيل شمعون، وقيل غيرهما، رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

((من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزا وفخرا - وفي رواية عزا وكرما - كان عاشرهم في النار)) أو هو عاشرهم في النار كما جاء في بعض طرق الحديث.

فرسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر المسلمين من الانتساب إلى أجدادهم المشركين، بقصد الفخر والاعتزاز بهم، فالاعتزاز بالرومان أو بالفراعنة


(١) الجعلان بكسر الجيم وسكون المين، جمع جعل بضم الجيم وفتح العين: دويبة صغيرة مثل الخنفساء، تجعل من العذرة كرة - لتتمعش منها - ثم تدفعها بأنفها، ولا تعيش إلا من الأوساخ والنجاسات، ويقال أنها تموت من رائحة الورد وكل رائحة طيبة ..

<<  <   >  >>