للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد علموا إن التاء حذفت لا محالة وفيها الحركة فهل يجوز ان يدعي مدع انهم اسكنوا الثآء لما أرادوا الحذف فلما اجتمعت مع التنوين حذفت لالتقاء الساكنين وهذا ما لا يحسن في القياس لأنه يؤدي إلى تكلف يشهد المعقول بخلافه ولأن الذين قالوا في مروان يامرو فحذفوا الألف والنون لا يجوز أن يدعى لهم أنهم استثقلوا الضمة على النون فحذفوها فالتقى ساكنان فحذفت النون ثم حذفت الألف. والنحويون يذكرون في الترخيم حذف الزيادتين اللتين زيادتا معا فان كانت زيادتهما وقعت في حال واحد فكذلك يجب أن يكون الحذف وعلى هذا يمضي القول على عثمن ومنصور وشراحيل إذا رخمت شيئا من ذلك في ضرورة وغير ضرورة بما كثرت المحدوفات دل ذلك على بطلان قول من زعم أن لواو سكنت في سمو لما استثقلت الضمة أو الكسرة عليها ولو صح ذلك لكانوا قد فروا إلى حذف الواو من جمعهم بين سواكن ثلاث لأن الميم في اصل البنية حظها السكون والواو سكنت لاستثقال الضمة ثم استقبلها التنوين بعد ذلك ورأى من زعم هذه المقالة يلزمه أن يكون حذفها في الوصل لان التنوين إنما يلحق في أدراج الكلام وإذا قال القائل سمو في الوقف فانه لا يضطر إلى حذف. إذ كانوا يجمعون في الوقف بين ساكنين بغير اختلاف ولا ينظرون أكان الساكن همزة أو واوا أم ياء أم حرفا هن غير هذه الحروف والقول في هذا يتسع وقد مر ما فيه كفاية.

[القول في اثنين واثنتين]

هذه الأسماء التي حذفت من أواخرها حرف العلة وزيدت في أوائلها همزة الوصل فخالفة لغيرها من الأسماء وهي موضوعة في أصل اللغة وضع الأصول وأكثرها لحقه التأنيث على حد التذكير فقالوا ابن وابنة واثنان واثنتان وامرؤ وامرأة فأما اسم فلم يحتاجوا فيه إلى التأنيث لأنه جرى مجرى الصوت واللفظ والوجه والرأس وإنما يستنبط النحويون أصول المعتلات بالاشتقاق الحاكم على الأصول أو بالتصغير والجمع ولهم أيضاً بالنسب دلالة والعرب قالت اثنان فثبتوا على هذه البينة ولم ينطقوا بغير ذلك فلما صاروا إلى التأنيث قوي الاسم الناقص فاتسعوا فيه وقال أكثرهم اثنتان وهي اللغة التي جاء بها القرآن، وقال بعضهم ثنتان وهي كثيرة في الشعر أنشد ابن الأعرابي:

فقلت مهلاً لا تلومي ياهنه ... أنا ابن ثنتين وسبعين سنة

وقال آخر:

لقيت ابنة البكري زينب عن عُفر ... ونحن حرام مسي عاشرة شر

فقبلتها ثنتين كالثلج منهما ... وأخرى على لوح أحر من الجمر

فقولهم ثنتان استدل به النحويون على أن أصل الثآء في قولهم اثنان أن تكون مكسورة واستدلوا بقولهم ثنوي على ان الثآء يجب أن تكون مفتوحة فتنازع في اثنين أصلان أحدهما أن يكون وأحدهما على فعل مثل ثني والآخر أن يكون على ثني مثل رحى إلا أنه لحقه التغيير وقد يجوز ان يجيء الاسم الواحد على فعل وفعل كما قالوا حرج وحرج وحلس وحَلَسُ وشبه وشبه واستدلوا بقولهم ثنيت وثني على أن المحذوف ياء وقد حكي أن بعض العرب تقول الاثن فيجيء به على لفظ ابن ووزن اثن على هذا القول إفع ووزن اثنين يجب أن يكون افعين واثنتان وزنهما افعتان وثنتان وزنهما فعتان، وقد حكي ثنوت في معنى ثنيت فإذا صح ذلك جاز ان يكون المحذوف واوا فأما ابن فبعض الناس يذهب إلى ان الذي حذف منه واو وذلك اختيار سعيد بن مسعده وكان يستدل على ذلك بقولهم البنوة وكان غيره يذهب إلى ان الساقط من ابن ياء لأنه من قولهم بنى الرجل على امرأته يبني وكان بعض النحويين يجيز إن يكون الذاهب واواً وان يكون ياء وذلك رأي أبي اسحاق الزجاج وقولهم بنت يدل على أن أصل ابن فعل وقولهم بنون وبنات يدل على أن اصله فعل وقولهم أبناء يستدل به على انه ليس بفعل ساكن العين حملا على الأكثر من الكلام إذ كان جذع واجذاع وحمل وأحمال أشيع قي اللغة من زند وازناد وفرخ وافراخ وإنما تحمل الأشياء على ما كثر وليس لقائل ان يقول وكيف لا نجيز ان يكون اصل ابن والواحد من أثنين على فعل لأنا قد وجدنا ما يدل على كسر الأول وفتحه ودليلا ينبيء عن حركة الأوسط إذا فتح الأول وهو ان أفعالاً جمع فَعل وفِعل مثل جمل وزمن وِجذع وِحسل ويقوي مذهب من زعم ان الساقط من ابن الواو تشبه النحويين المتقدمين قولهم أشياء بقولهم أبينون من قول الشاعر:

<<  <   >  >>