وقوله مثالٌ يريد أنه على معنى التشبيه الذي أسقطت منه مثل كما تقول زيدٌ عمروٌ أي مثل عمر ثم يحذف فكأنه يريد هذا مثل هذا أي نائب منابه وقوله هو اسم الفاعل كلام صحيح وليس مراده به ان الفعل تقدمه كما تقدم في قولك قام زيدٌ وانما يريد به أن الفعل وقع منه ولا يُبالي أمتقدما كان أم متأخرا كما انك إذا قلت زيد ضرب عمرا فزيد اسم الفاعل وإن كان مرفوعا بالابتداء وقد بان أمر المسألة فيما ذ كر وهو جلي لا يفتقر إلى إطالة وقد يقع في الكتب الفاظُ مستغلقةُ فمنها ما يكون تعذر فهمه من قبل عبارة واضع الكتاب لأنه يكون مستورا على ما بعده من الألفاظ وعلى ذلك جاءت عبارة سيبويه في بعض المواضع ومنها ما يستبهم لأن صاحب الكتاب يكون قاصدا لإبهامه ويقال إن النحويين المتقدمين فعلوا مثل ذلك ليفتقروا اليهم في إيضاح المشكلات ومن ألفاظ الكتب ما يستعجم لتصحيف يقعُ فيه فان الحرف ربما زاغ عن هيئته فأتعب الناظر وشغل قلب المفكر وربما كان الكلام قد سقط منه شيء فيكون الإخلال به أعظم ومعناه أبعد من الإبانة.
[القول في قول الراجز]
يا أيها الضب الخذوذان هذا البيت ينشد على أنه خاطب الواحد ثم خرج إلى خطاب اثنين وهو على معنى قوله رب أرجعون ومثل ذلك موجود إلا أن هذا البيت قبح فيه مثل ذلك لأن التثنية وقعت موقع النعت فتبين الخلل في اللفظ وإذا أنشدوا الخذوذان فاشتقاقه من الخذاذات وهي ما يقطع من أطراف الفضة والمعنى أن هذين الضبيين يحتفران فيقطعان الصخر والجندل كما تقطع الفضة، والضبّ معروف بالحفرو لذلك قالوا ضب دامي الأظافير، قال الشاعر:
كضب الكدى أدمى أنامله الحفر (٥)
وإذا قيل الخذوذيان فهو تثنية خذوذى مأخوذ من الخذاء وهو الاسترخاء يقال وقعوا في ينمة خذواء وهي ضرب من النبت، أي قد طالت واسترخت ومنه قيل الخذا في الأذن ووزن خذوذ فعول ووزن خذوذى على رأي سيبويه فعوعل وعلى رأي غيره فعلعل وكلا الوجهين له مذهب وجهة.
[القول في مهيمن]
جاءت في القرآن أشياء لم يكتر مجيئها في كلام العرب فمنها مهيمن وأجمع الناس على أنه مفيعل وانه مكبر وإن رافق لفظه لفظ التصغير وهو جار على فيعل وإذا حمل على الاشتقاق فانه لا يخلو من أمرين أحدهما أن يكون من همن وهذا فعل ممات وان كان كذلك فليس يجب إن يخرج من كلام العرب لأن اللغة واسعة جدا ولا يمكن أن يدعي حصولها في الكتب عن آخرها وقد تكون الكلمة حقيقة في اللفط ولم ينطقوا بها فيما اشتهر من الكلام كقولهم المدع فهذه الكلمة تشبه كلام العرب ويذكر المتقدمون انهم نطقوا بها وكذلك الرمج في أشياء كثيرة إذا تصفح ما ينقلب من الثلاثي وجدت فيه لأن الأشياء التي هي أصول الأسماء ثلاثة الثلاثي والرباعي والخماسي.
فالثلاثي على ثلاثة أضرب أولها إن " يستعمل بكليته في حال انقلابه وذلك ستة أبنية مثل القاف والراء الميم فقد استعمل قرم وقمر ومقر وهو دق العنق ومرق وهو النتف ورمق وهو مصدر رمقه يرمقهُ ورقم مصدر رقم يرقم إذا كتب، والثاني أن يستعمل بعضها ويهمل بعضها مثل القتل استعملت هذه اللفظة ولم يستعمل التلق ولا اللتق ولا اللقتُ واستعملوا القلت والثالث من الثلاثي بناء أهمل بكليته مثل الخاء والظاء والراء نحو الخظر لم تجىء هذه الكلمة ولا شيء من وجوهها.
والثاني من الأصول هو الرباعي وهو ينقلب أربعا وعشرين قلبة ولم يستعمل منه إلا الأقل.
والثالث الخماسي وهو أقل في الاستعمال من الرباعي لأنه ينقلب مائة وعشرين قلبة وإنما تجد اللفظة منه وحدها في الباب كقولك سفرجل فلم يستعمل من مائة وعشرين بناء غير هذه اللفظة وكذلك أكثر الخماسي.
وهمن هو من الباب المتوسط من أبواب الثلاثي ولم يذكره أحد من المتقدمين فيما أعلم وقد كان في أصحاب النبي (امرأة يقال لها هُمينة وكانت فيمن هاجر إلى الحبشة وهذه من الهمن لا محالة وموضع يعرف بهمانية وهو من الهمن أيضاً.