ثم إن الملكات (والسجايا) تتفاوت في القوة والتمكن، فليس كل من كان الجود سجيته بلغ مبلغ حاتم الطائي، ولا كل من كانت التقوى والمروءة ملكةً له بلغ مبلغ أبي بكر وعمر ﵄. وهذا هو مقتضى اعتقاد أهل السنة والجماعة بأن الإيمان يزيد وينقص، وأن أصحابه فيه متفاوتون.
أما المروءة فاشتراطها مهم، لإخراج الصغير غير المكلف والمجنون كذلك، اللذين لا يوصفان بالتقوى ولا بنقيضها (الفسق)، فهما ليسا من أهل العدالة. ولإخراج من يغلب على الظن أنه ليس بعدل، وإن لم يثبت عليه يقيناً أنه فاسق؛ وذلك لإتيانه بما الغالب على من يأتيه (عرفاً) بأنه من أهل الفسق أو السفه (نقص العقل).
وعليه يتبين أن الأمر قد يكون في أصله مباحاً، لكنه مما يخرم المروءة، لأنه من سمات أهل الفسق أوالسفه. فلو رايت في الشارع رجلاً يصيح ويقفز رافعاً شعاراً لأحد الأندية الرياضية، أو رأيت مسئولاً يدخل محل عمله بإزارٍ فقط لا يستر إلا ما بين السرة والركبة = فإنه سيغلب على ظني أن فاعل ذلك ليس من أهل المروءة، مع أنه لم يفعل