للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الصلاة" (١).

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " (٢)، والاستطاعة في إنفاذ الأمر إما أن تكون في الفعل الواحد، كالصلاة مثلًا، فإذا لم يستطع المسلم أن يصليها وهو قائم، وجب عليه أداؤها على الوجه الذي يستطيعه من قعود أو اضطجاع أو غير ذلك.

وإما أن تكون الاستطاعة في مجموع الأفعال، فقد لا يستطيع المسلم أن يصوم لمرض، في حين يكون قادرًا على أداء الصلاة على كل حال، فوجبت الصلاة في حقه، وسقط عنه الصيام إن كان مرضه مزمنًا، وإلا صام حين شفائه، وقد لا يقوى المسلم -لعذر من الأعذار- أن يصلي في المسجد، وهو مأمور بأدائها فيه، فلا يقال: ما دام أنه لا يستطيع أن يصليها في المسجد فلا يصليها، بل يقال: يفعل ما يقدر عليه، ويُعذر فيما لا يقدر عليه.

أما النهيات، فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته أن تجتنبها كلََّها، من غير فرق بين واحدٍ وواحد، فكما أنه نهى عن الزنا، نهى عن النظر المحرم إلى المرأة، وكما أنه نهى عن شرب الكثير من الخمر، نهى عن شرب القليل منها، وكما أنه نهى عن سرقة المال الكثير، فإنه نهى عن سرقة الدرهم والدرهمين، وكما أنه نهى عن الكذب على الأمة كلها، فإنه نهى عن الكذب على الرجل الواحد، فلا يقال هنا: يجتنب ما يستطاع اجتنابه، بل يجب اجتناب كل ما نهى


(١) رواه من حديث أبي أمامة رضي الله عنه الِإمام أحمد (٥/ ٢٥)، والحاكم (٤/ ٩٢)، وقال: " إسناده صحيح، ولم يخرجاه "، ورواه ابن حبان (موارد: رقم ٢٥٧)، ص (٨٧)، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (٥/ ١٥).
(٢) رواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه البخاري (١٣/ ٢١٩، ٢٢٠) في الاعتصام: باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومسلم -واللفظ له- في الفضائل (٧/ ٩١)، والنسائي (٥/ ١١٠ - ١١١) في الحج، وابن ماجه رقم (٢) في المقدمة - والمقصود أنه - صلى الله عليه وسلم - زجر عن النواهي مطلقًا ولم يفرق بين قشر ولب، وعلق امتثال الأوامر على الاستطاعة، ولم يعلقه بكونها قشرًا أو لبًّا على زعمهم.

<<  <   >  >>