ومن امن بكتاب الله فقد امن بسنة رسول الله على سواء لان السنة والقران مصدران من مصادر التشريع وصلت الينا بطريق النبوة الخالص دون غيره.
فقد روى الحاكم في المستدرك عن الحسن البصري قوله: بينما عمران بن حصين يحدث عن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم إذ قال له رجل: يا أبا نجيد حدثنا بالقرآن فقال له عمران: أنت وأصحابك يقرؤون القرآن أكنت محدثي عن الصلاة وما فيها وحدودها أكنت محدثي عن الزكاة في الذهب والإبل والبقر وأصناف المال؟ ولكن قد شهدت وغبت أنت ثم قال: فرض علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزكاة كذا وكذا، فقال الرجل: أحييتني أحياك الله قال الحسن: فما مات ذلك الرجل حتى صار من فقهاء المسلمين.
فهذه هي الحقيقة في منزلة السنة النبوية المطهرة، وانَّ الباحث ليجد ان الفقهاء وصلوا الى مرتبة تارك السنة النبوية والمكتفي بما في الكتاب الى درجة الكفر اعاذنا الله من ذلك.
ألم يقفوا في كتاب الله وهم يدَّعون انهم اهله عن قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (٣٦)} الأحزاب: ٣٦.
زد على هذا ما قدَّمنا من الآيات البينات التي ما دلَّت على امر كدلالتها على وجوب طاعة النبي صلى الله عليه واله وسلم.
ولقد قدم علماؤنا افدح مهر في درب الحفاظ على السنة المطهرة، فيلمح المؤمن عند ذلك وفي قلب الدياجي رايات نصر وعلامات بشر في ان الشريعة محفوظة لن تنال منها سهام اخطأت ولم تصب.
[سلسلتان ... احداهما منقطعة]
عندما يقذف البركان حماه في لهيب الصيف وسباسبه المشتعلة بنار الشمس، تتسلسل الحمم ولن تتوقف بعدها، بين الحين والاخر تراها قاذفة لها، بالضبط كالشبه المقذوفة، لن تتوقف ابدا في الطعن بهذه السنة النبوية الناصعة.
وامام هذه السلسلة هناك سلسلة اخرى لا يمكن للأنظار ان تغفل عنها، تميَّزت سنة النبي صلى الله عليه وسلم بها، ألا وهي اسنادها المتصل، فالسنة النبوية متصلة، مبتداها من رب العزة والملكوت رب العالمين جلَّ جلاله متصلة الى صاحبها عليه الصلاة والسلام ومنتهاها حتى اخر مسلم على وجه الارض يسمع شيئا من هذه السنَّة المحمدية ويَعيها ويعمل بها، وهكذا الى ان تقوم الساعة، يوم تقوم الارض ومن عليها.
ولبقاء الاسناد المتصل حيا ينبض بنبراس السنة النبوية المطهرة جعل الله تعالى في قلب حكمته اصحابا للنبي عليه الصلاة والسلام يحملون اسمى صفة لحاملي الامانة وهي صفة العدالة الغرّاء التي تمتع بها الصحابة جميعا دون استثناء، رضي الله عنهم وارضاهم.
ولهذا كان من اهداف اهل الزندقة قديما وحديثا الطعن بالصحابة-الذي ربما سنتكلم عنه بتفصيل قادم-، وسبب هذا الطعن لانهم الناقلة لهذه السنة باعمق امانة، فاذا طعنوا بالناقلة بطل المنقول، وهذا ما ذكره كبير اهل الزندقة يوم ان جاء به هارون الرشيد ليضرب عنقه في بغداد، كما جاء في تاريخها.
فالسلسلة الاولى إذاً هي سلسلة الاسناد المتصل.