فلو لم تكن هذه الخصائص لتساوت السنة مع الخرافات والروايات والقصص والاقوال التي تنتشر هنا وهناك، وكما قال ابن المبارك لقال من شاء في دين الله ما شاء، وفعلا، لكانت السنة النبوية ما قالته الاشخاص، اينما كانوا وكيفما كانوا، وحاشا لله تعالى ان يجعل مصادر التشريع في دينه الاسلام خاتم الاديان عبارة عن اقوال واوهام بين شفاه الحاقدين، وهم قد عاصروا السنة من اول يوم لها وكانوا لها اعداء.
لو اراد احدنا -مثلا- حفظ وصية يتعلق بها مال أو متاع زائل، او ايَّ شيء آخر، لما أودعها الا بيد من يصونها ويعتقد به اهلية حفظها، دون ان تصل اليها ايادي الاخرين ايَّا كانوا، ولربما تكون ليس لها اهمية، أو لم يتعلق بها كثير من المال، فما بالك بمصدر من مصادر تشريع هذا الدين؟ افيعجز من بيده ملكوت السموات والارض ان يحفظ دينه الذي انزله؟ بل تكفَّل بحفظه بعد أن انزله وشرَّعه؟ حاشا لله تعالى ذلك.
ومما يدعو للاطمئنان والابصار بعين اليقين والايمان ان الله لم يتكفل بحفظ دينه فقط، وانما سخَّر جهودا كانت بالأمس قد طعنت ثم بعد ايّأم من التفكير اذعنت، ولا ينسى احد اسراب العائدين ولسان حالهم يقول ويردد:
كناطح صخرة يوما ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
ومنهم "وينسيفك" الذي قاد بنفسه حملة الرد على من زعم تشويه ائمة الحديث النبوي واعلن عن صدق نَقَلَتِهِ، واجاد في ذلك بدلائل بينت الادوار التي قام بها اهل الحديث رحمهم الله تعالى.
بهذه السلسلة التي لم ولن تنقطع يوما بإذن الله تعالى ترى العبادة الموحدة للمسلمين، وهم مبتعدون البيئة الجغرافية، فالمصلي في جنوب الشرق يتوحد بالعبادة مع مصلي في شمال الغرب، فكيف يقولون انما جاءت السنة نتيجة للتطورات البيئية، لماذا لم تختلف العبادة اذا والمصلي في جنوب الصومال وهو جائع يصلي على الارض ثم يلتحفها من فقره، وترى اخاه في امريكا يصلي في الطائرة او المطار او البارجة؟ فهل التطور البيئي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم اشد من تطورنا اليوم؟ لا ... لكنها تناقضاتهم تتواصل فزعا بالحقيقة وهي تسير في قلوبهم ومع سيرها تنادي الحيارى ان هلموا معنا.
يروي الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن سيرين قوله:" لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا: سمُّوا لنا رجالكم فينظر الى اهل السنة فيؤخذ قولهم وينظر الى اهل البدع فلا يؤخذ حديثهم ".
وليس هذا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بفترة طويلة وإنما حدث هذا في زمن ابي بكر رضي الله عنه فهو اول من الزم الرواة بذكر أسانيدهم، فسنَّ رضي الله عنه امر التثبت من الراوي، فلم يقبل حديث اي صحابي يرفعه الى النبي عليه الصلاة والسلام حتى يشهد معه غيره بانه سمعه من النبي عليه افضل الصلاة واتم التسليم، وليس على هذا سار علماء الجرح والتعديل "علماء الحديث" وانَّما تعدوا ذلك الى انهم زادوا شروطا لا يسلم منها وضَّاع ابدا مهما جاء من وسيلة.
والتاريخ الصحيح نقل الينا ان علم الحديث لم تؤثر به السياسات المختلفة على ارض الواقع لان علماء الحديث لم يكونوا يتبعون ايا منها، كان الحديث مستقلا باستقلال علمائه.