الغنى في الفقر: يلبس قميصين أبيضين، ورداء وسراويل، ونعلاً نظيفاً وعمامة، وفي يده مفتاح كبير حسن، وليس له بيت يأوي اليه، بل ينطرح في المسجد، ويطوي الخمس والستدائماً. فكل من رآه يتوهم أنه تاجر قد نزل بعض الخانات، فلا يفطن له إلا الخُلَّص من الأولياء ".
روى أنه دخل مصر على هذا الزي، فعرف بها، واجتمع اليه الصوفية، فتكلم عليهم، فعرض له السفر، فقام من مجلسه، وخرج معه نحو من سبعين منهم، فمشى في يومه فراسخ، لا يعرج على أحد، فانقطع من كان خلفه، وبقي منه قليل، فالتفت إليهم وقال: " كأني بكم قد جعتم وعطشتم! "، فقالوا: " نعم! "، فعدل بهم إلى دير فيه صومعة راهب، فلما دخلوا أشرف الراهب على أصحابه، وناداهم: " أطعموا رهبان المسلمين!، فإن بهم قلة صبر على الجوع ". فغضب من ذلك، ورفع رأسه أليه، وقال: " أيها الراهب!، هل لك إلى خصلة نتبين بها الصابر والجازع؟ "، قال: " وما ذاك؟ " قال: " تنزل من صومعتك، فتتناول من الطعام ما أحببت، ثم تدخل معي بيتاً، ونغلق علينا الباب، ويُدَلَّى لنا من الماء قدرُ ما نتطهر به، فأول من يظهر جزعه، ويستغيث من جوعه، ويستفتح الباب، يدخل في دين صاحبه كائناً