للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هدم وحدة أسرته ومعاملاته، فلا ينحصر أثر الردة في الميدان الحقوقي المدني، بل لابد أن يمتد أثرها إلى الجانب الجزائي، لينال المرتد العقوبة الجنائية التي يستحقها؛ فإذا عرف العقوبة، وأنها ستطبق بحقه، لم يقدم على الاستهتار بدين الحق، ولم يتسبب في تشتيت أسرته (١).

ولأن المرتد ترك الحق بعد معرفته، واعتدى على العقيدة التي هي أقوى أسباب الأمن، فالمرتد يقتل لتبديله الدين الحق وتركه له، ومفارقة جماعة المسلمين، ولما كان عثرة في سبيل انتشار الدين وجبت إماطته كما يماط الأذى عن الطريق، وقتله ليس عقوبة على الكفر في ذاته؛ لأن غير المسلمين من اليهود والنصارى قد كفل لهم الإسلام حرية العقيدة وحمايتها من غير إكراه ولا تضييق، فلابد أن يكون هذا القتل عقوبة على الخيانة الكبرى والمكيدة الدينية التي ادعى معها المرتد اعتناق الإسلام، ثم أعلن الخروج منه للطعن فيه والإساءة إليه (٢)، وحتى لا يكون الدين ألعوبة للملاحدة والزنادقة فيغتر بهم غيرهم من ضعاف الإيمان ولسد الطريق على العابث الذي يدخل في الدين خداعاً ثم يخرج منه للتنفير منه، كما حاول بعض اليهود هذه الخدعة زمن النبي فأنزل الله فيهم قوله تعالى: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: ٧٢] أي لعل المسلمين إذا رأوا ذلك يرجعون عن دينهم.


(١) أحكام الجريمة والعقوبة في الشريعة الإسلامية ٣٩٩ - ٤٠٣ بتصرف يسير، الحرية في الإسلام ص ٥٥، ٥٤ للسيد محمد الخضر بن الحسين.
(٢) معالم الشريعة الإسلامية ص ١٩٩، للدكتور صبحي الصالح، الحريات العامة في الإسلام ص ٦٨، ٦٩، للدكتور محمد سليم غزوي.

<<  <   >  >>