إن الإسلام لم يسلب حق الإنسان في الحرية في دخول الدين ابتداءً، وهو ما يفيده قوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، وأما خروجه منه بعد دخوله فيه بقناعته فإنه يصادم حق الجماعة في استقرار الدين والعقيدة.
إن سلطان الحقوق الإنسانية في الإسلام سلطان اعتقادي يلتزم به المسلم وإن لم يستشعر مراقبة السلطة، بخلاف القوانين الوضعية، أما المصالح التي يعبر عنها بالمقاصد الضرورية وهي: مصلحة الدين، الحياة، العقل، النسل، المال، فهي ترعى تلك الحقوق وتحفظها من آفات التناقض والتصادم.
إن رعاية الحقوق الإنسانية على النهج الذي يضمن لها التناسق ويحميها من آفات التناقض والتصادم، لا يمكن أن تتم إلا بعد الرجوع إلى رعاية ميزان هذه المصالح، طبق ما هو مراعى من سلم الأولويات في ترتيبها، وطبق ما هو مقرر من درجات الحاجة إلى كل منها، من حيث الضرورة القصوى، أو الحاجة الأساسية، أو الأفضلية التحسينية.
فحق الحياة - مثلاً - يجب إلغاؤه عندما يتعارض مع الضروري الذي لابد منه لحفظ مصلحة الدين؛ ولذا شرع الله الجهاد مع أن فيه تضحية بالحياة في سبيل درء الأخطار المحدقة بضروريات الدين (١)، وكذلك أهدرت مصلحة الحياة بالنسبة للمرتد؛ فحكمت الشريعة بقتله للمحافظة على مصلحة أولى منها في الترتيب، وهي حفظ الدين العائد إلى مجموع الأمة.
وحق الحرية من تحسينات حق الحياة فإذا تعارض مع ضروري من ضروريات هذا الحق ذاته، أو تعارض مع ضروري من ضروريات مصلحة العقل أو المال مثلاً وجب حجز حق الحرية عندئذ؛ حماية للحق الأهم والأكثر ضرورة.
(١) الحقوق والحريات المدنية والسياسية في الإسلام ص ١٥٢، ١٥٣، للدكتور محمد سعيد رمضان، ضمن حقوق الإنسان في الإسلام بين الخصوصية والعالمية، ضوابط المصلحة لمحمد سعيد ص ٢٤٨ وما بعدها.