ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد} وكان توفيقه بإرسال أخيه لما بلغه دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخلق إلى ربهم، وقصده بعد ذلك بنفسه.
* وفيه أيضًا أن المؤمن يزن القول ويعتبره، ويقسم له الأقسام، ثم إذا أدى التقسيم إلى أن الحق في جهة صار إليها، ألا ترى أن أخا أبي ذر قال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلامًا ما هو بالشعر. ومكارم الأخلاق من أمارات المحقين ودلائل الصادقين وقد قال الله عز وجل {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين، تنزل على كل أفاك أثيم}.
* (وحمل شنته) يعني قربته، ويريد بقوله فتزود بأنه سار بهذا يتزود في مشنته وأنه كان يهيم بأمر دينه ولم يكسل لطول الشقة.
* وفيه أيضًا ما يدل على حسن تأني أبي ذر حين بدأ بالمسجد، لأن المسجد يجمع، ويدل على أنه إذا كان للإنسان أمر مهم لم يبدأ بالسؤال عنه حتى ينظر من يصلح للسؤال عنه، ومما يدل على أن الله تعالى يهدي المجتهد أن الله تعالى قيض عليًا للقاء أبي ذر لأن الله تعالى يقول:{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}.
* وفيه أيضًا أن الإنسان إذا أضاف ضيفًا فمن الأدب أن لا يسأله عن حاله، من أجل أنه ربما يكون له (١٦٤/ ب) شأن يقتضي الكتمان، فلا يبدأ بالسؤال عن حاله فيضطر إلى ذكر شيء لا يريد أن يذكره أو يلجئه إلى أن يتمحل في قول يخرج به من عهدة جواب مضيفه، ولا يظهر سر نفسه.